بداية لا بد من الإشارة إلى اجتماع الأمناء العامين لكافة الفصائل الفلسطينية برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس مساء الخميس الماضي، الذي يجدد الأمل بقرب استعادة الوحدة الفلسطينية على قاعدة الثوابت الوطنية ومبادرة السلام العربية، آملين ان يشكل هذا اللقاء مقدمة حقيقية للنهوض الفلسطيني وبقرار فلسطيني بعيدا عن أية تدخلات إقليمية للسير نحو تحقيق اهداف شعبنا في الحرية واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين بموجب القرارات الدولية، كما نصت عليه مقررات القمم العربية والإسلامية وقرارات الشرعية الدولية.
مؤخرا صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو بأنه على اتم الاستعداد للتوافق مع القيادة الفلسطينية على اساس رؤية جاهل العصر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يعتقد انه العبقري الوحيد القادر على حل القضية الفلسطينية بصيغ ومقترحات أقل ما يقال فيها انها تكريس لاحتلال وسرقة الأراضي الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية، متجاهلا ان مجلس الأمن والأمم المتحدة هما صاحبا قرارات الحرب والسلم العالمي، ومتجاهلا قراراتهما بما فيها تلك التي وافقت عليها اميركا وإسرائيل.
كما تفاخر نتانياهو بأنه يستطيع صنع السلام مع العرب دون حل القضية الفلسطينية، في الوقت الذي يواصل فيه احتلال فلسطيني والتنكيل بشعبها، وتفاخر بأنه قادر على تطبيع العلاقات مع بعض الأطراف العربية والإفريقية.
لا اريد هناالحديث بتعابير خارجة عن حدود اللياقة السياسية في ما يتعلق ببعض إخواننا العرب بالركض وراء سلام هش مع دولة الاحتلال رغم كل ما ارتكبته وما زالت ترتكبه بحق شعبنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية.
ان المصلحة الفلسطينية تقتضي احتواء مثل هذه السياسات الخارجة عن الاجماع العربي، ولكن دون الانجرار الى التخوين والتجريح في وطنية هذا الطرف او ذاك لأن القضية الفلسطينية هي ايضا قضية عربية وإسلامية وأممية وليست فقط قضية شعبنا الفلسطيني. كما ان من مصلحة شعبنا إبقاء خيوط التشاور والتنسيق والتعاون مع كافة الدول العربية بغض النظر عن الخلاف مع هذه الدولة او تلك، ولا مصلحة لنا في فتح جبهة عداء مع اي طرف عربي لاعتبارات عدة. لذلك لا بد من ان تحتوي القيادة ما حصل من الإمارات بوسائل عدة بما في ذلك المزيد من التحاور والحضور الفلسطيني في الإمارات خصوصا سياسيا وإعادة السفير الفلسطيني، وعدم ترك ساحة هذا البلد العربي الشقيق فقط لوجود اسرائيل ، سارقة الارض والمتنكرة لحقوق شعبنا.
ومن الضروري عدم الانجرار وراء الذين لا يهمهم إلا ضرب العلاقات الفلسطينية – العربية خصوصا مع الدول الخليجية التي تعاني من ايران، والتي بسببها وبسبب الانقسام، تراجعت القضية الفلسطينية في أجندة هذه الدول بعض الشيء، لانشغالها بما تراه من خطر التدخل الايراني في صميم وضعها الأمني.
وواضح ان الاحتلال الإسرائيلي وإدارة ترامب هما صاحبا المصلحة الأولى في ضرب عرى العلاقات الفلسطينية الخليجية خاصة.
ولن ينسى شعبنا ان لدولة الامارات العربية مواقفها الوطنية والقومية في دعم شعبنا وقضيته خصوصا من زمن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، والد الشيخ محمد بن زايد. ولكن لا بد من التأكيد في نفس الوقت أن الحديث عن «التطبيع مقابل وقف الضم» هو بمثابة سراب ، اولا لأن اسرائيل ليست بوارد السلام، العادل والشامل، خصوصا ان تاريخ اتفاقاتها مع الجانب الفلسطيني يؤكد انها لا تحترم أي اتفاق أو تعهد. وثانيا لأن نتانياهو وبعد ساعات على إعلان الإمارات عن اتفاق التطبيع مقابل وقف الضم أعلن على الملأ أن الضم لم يسقط من أجندته وانه أجله موقتا بناء على طلب حليفه ترامب، فيما اكد مسؤولون إسرائيليون بعد ذلك ان الضم لا يزال على جدول اعمال حكومة نتانياهو ويمينه المتطرف.
ومن الواضح ان الأخ الرئيس محمود عباس حريص جدا على تحقيق السلام الذي يحفظ الحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا الفلسطيني، وهو رجل سلام بامتياز. لذلك على القيادة ان تتعامل مع هذا التصرف الإماراتي بعقلانية، بحيث تقف سدا منيعا امام أي مساس بالحقوق الوطنية الفلسطينية من جهة والحفاظ على الحوار وعلى أقصى ما يمكن من نقاط التفاهم.
وطالما وقفت دولة الامارات مع فلسطين ومن المهم اليوم احتواء ما جرى عبر حوار اخوي هادئ ينطلق من المصالح الفلسطينية والعربية، فالقيادة الفلسطينية تنظر الى جميع الدول العربية نظرة الأخ لأخية ، وبالمقابل تتوقع ان تقابلها جميع الدول العربية بالمثل.
الأمثلة كثيرة على عدم وفاء إسرائيل بوعودها ونكثها للاتفاقيات، وأولها عندما جربت قطر ووافقت على فتح مكتب تجاري لعل ذلك يؤدي الى تحريك حل القضية الفلسطينية، ولكن قطر اقتنعت ان اسرائيل تكذب لأنها تريد السلام على حساب شطب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني واكبر دليل استمرارها في سرقة الأراضي الفلسطينية وبناء المستعمرات وتهويد القدس وحصار غزة والتنكيل اليومي بشعبنا في الأراضي المحتلة.
المهم مهما حصل من تطبيع فلا يمكن القفز على قرارات الشعب الفلسطيني وقيادتة، لان مفتاح السلام يقوم فقط على القوانين والقرارات الدولية وبموافقة السلطة الوطنيه الشرعية، أي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والامارات العربية المتحدة تدرك هذا.
ساعي البريد بومبيو الذي ارسله معلمه نتانياهو، لبعض العواصم العربية لاقناعها بالتطبيع خذلتة حكومة السودان ومن ثم خذلتة مملكة البحرين، وما من شك ان الاخوة في الإمارات سيكتشفون انهم يتعاملون مع كذاب لا يحترم عهدا ولا اتفاقا.
كما ان الجاهل كوشنر، تاريخيا ودينيا وسياسياً، يقول ان باحة الاقصى مفتوحة لجميع الاديان بالصلاة فيه ، وهذا يعني ان المسجد الاقصى ليس فقط للمسلمين ، بل ايضا لليهود، وهو ما تدحضه القرارات الدولية.
ويكفي قيادة الامارات ما سمعته من نتانياهو بان الضم مازال مطروحا على الطاولة ، كما انه لم يذكر شيئا عن القدس، لأن اسرائيل ليست بوارد اي سلام خصوصا ان القدس ليست فقط للشعب الفلسطيني بل ايضا للشعب الاماراتي وكل الشعوب العربية والاسلامية.
ان عنوان السلام لا يأتي من اي دولة في العالم العربي او غير العربي ، فقد مد العرب أجمع ايديهم للسلام في قمة بيروت عام ٢٠٠٢ وكان الرد الاسرائيلي مزيدا من الاحتلالات وسرقة الأراضي الفلسطينية ومزيدا من بناء المستعمرات والتنكيل بالشعب الفلسطيني. فالعنوان الحقيقي لإرساء السلام هو منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني الذي تحتل إسرائيل اراضيه وتسيطر عليه بقوة الاحتلال. ودون ذلك سيبقى الصراع قائما لأن المال والوعود الكاذبة حفظناها منذ ٧٢ عاماً ، ومن المستحيل القفز عن الجانب الفلسطيني في اي مبادرة لان منظمة التحرير هي الرقم الاهم في اي مفاوضات مع دولة المحتل ، ومهما حاولت اميركا الالتفاف على قرار المنظمة فلن تمر هذة المسرحيات التي يقوم بومبيو بوسطجي نتانياهو في منطقتنا العربية.
القيادة الفلسطينية قبلت و تنازلت عن ٧٨ في المائة من أرض فلسطين التاريخية لأجل تحقيق السلام في منطقتنا ، وايضا السلام العالمي، ووقف دوامة الحروب وسفك الدماء، وكي تقطع الطريق عن اي تنظيم ارهابي كداعش و غيره من الاسماء من التنظيمات التي لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية.
وقد قدم شعبنا الفلسطيني الالاف من الشهداء والجرحى والأسرى منذ العام ١٩٤٨ الى يومنا هذا، فالفلسطيني تم الاعتداء عليه من عصابات أتتنا من أوروبا، ولم يعتد هو على أحد ، كما أنه ، يحترم ويقدر ما يقوم به العرب لدعم القضية الفلسطينية.
وقد تفهم الشعب الفلسطيني ما قامت به مصر حاضنة الأمة العربية والإسلامية بتوقيع معاهدة سلام وتطبيع سياسي كامل مقابل استعادة جميع اراضيها المحتلة عام ١٩٦٧م ، بعد حرب العبور عام ١٩٧٣م وهزيمة اسرائيل المشينة، وكذلك فعل الاردن الشقيق واستعاد أراضيه ، ولكن اي دولة عربية تحاول القفز على المقررات العربية السابقة و تنفرد بالصلح مع اسرائيل جهارا ودون مقابل فهذا طبعا يصب فقط في المصلحة الاسرائيلية.
ان أطماع اسرائيل أو أطماع هذه العصابات الصهيونية لا تقتصر على فلسطين ولكنها تتطلع للسيطرة التامة على جميع مقدرات الدول العربية، وتريد حليفتها أميركا أن تقوم اسرائيل بملء الفراغ الاستعماري في وطننا العربي.
ثم كيف نفسر ما صرح به نتانياهو بأن سيدنا ابراهيم، عليه السلام يهودي؟ علما ان سيدنا موسى عليه السلام جاء بعد سيدنا إبراهيم بمئات السنين! اي ان نتانياهو يعطي بعض الذرائع الدينية الكاذبة للسيطرة على المزيد من الاراضي العربية، ان كان سياسيا او ماديا.
واذا كانت اسرائيل تريد السلام فعلا فليس لها الا الانصياع الى القرارات الدولية الخاصة بالصراع.
ولهذا كله نقول اليوم إن على جميع الفصائل الفلسطينة خصوصاً فتح وحماس والجهاد أن تتحد لاطلاق هبة شعبية عارمة لا تتوقف إلا بانهاء هذا الاحتلال، وبذلك نقطع الطريق على اميركا او غيرها ممن يعتقدون ان التطبيع مع المحتل يمكن ان يصنع السلام، وطبعا هذا سراب. إن حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله لن يتحققا الا بسواعد هذا الشعب المناضل، ودعم أمتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم … ولعل وعسى ان يكون اجتماع الأمناء العامين للفصائل خطوة بهذا الاتجاه.. والله المستعان.