تُعدّ التوترات الجيوسياسية كابوساً بالنسبة إلى الأسواق المالية. فمع تصاعد الصراع، يميل المستثمرون إلى التحول نحو الأصول الآمنة، مثل الذهب والدولار الأميركي، مما يتسبب في تقلبات حادة في أسواق الأسهم والعملات. هذا «الفرار إلى الأمان» قد يؤدي أيضاً إلى هروب رأس المال من المنطقة، مما يضعف أسواق المال الإقليمية، ويقلل من الاستثمار الأجنبي المباشر. كما أن الجدارة الائتمانية للدول قد تتدهور، مما يزيد من تكلفة الاقتراض عليها، ويثقل كاهل موازناتها
فقد ارتفعت أسعار الشحن بعد الهجمات الإسرائيلية على إيران بحسب بيانات نشرتها شركة التحليلات «كبلر». وقالت إن أسعار شحن ناقلات النفط من الخليج العربي إلى الصين ارتفعت بنسبة 24 في المائة لتصل إلى 1.67 دولار للبرميل..
ودفع الصراع شركات الطيران العالمية لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية ركابها وطواقمها بعد إغلاق مجالات جوية، والذي أجبرها على تحويل مسارات رحلاتها، أو إلغائها، ما أدى إلى ارتباك كبير للمسافرين، وتأثير مباشر على قطاع السياحة والسفر الذي كان يتعافى بصعوبة. هذا الأمر أدى إلى زيادة التكاليف التشغيلية بسبب المسارات الأطول التي تتطلب زيادة استهلاك الوقود، وهو ما قد ينعكس على أسعار التذاكر، ويضع ضغطاً مالياً إضافياً على الشركات، خاصة تلك التي تعاني أصلاً من تحديات اقتصادية .
“مجلة 24 ” استضافت رئيس جمعيةة المصارف في مملكة البحرين الدكتور عدنان يوسف وحاورته حول الوضع الاقتصادي العالمي في ظل الاحداث العسكرية الاخيرة والدول التي ستضرر في حال اقفال مضيق هرمز ورأيه في اسواق النفط ومستقبل اسعار النفط والذهب وتأثير هذه الحرب على دول مجلس التعاون الخليجي ، وهذا هو نص الحوار :
*ما هو الوضع الاقتصادي العالمي في ضوء عواقب الحرب بين إيران وإسرائيل؟
– في ضوء الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل، يشهد الاقتصاد العالمي تأثيرات ملحوظة جاءت على عدة مسارات، وأولى هذه المسارات النفط الذي شهد زيادة حادة في أسعاره وتراوحت ما بين 70–80 دولار للبرميل، مع ذروة تجاوزت 81 دولار، وهو أعلى مستوى منذ أشهر لكنها عادت للتراجع بعض الشيء مع إعلان وقف الحرب.
الخطر الأكبر يتمثل بتهديد الملاحة البحرية وخاصة مضيق هرمز، نقطة عبور نحو 20–30% من النفط البحري العالمي، مما قد يرفع السعر بين 100–150 دولار .
كما أن ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى زيادة تكلفة النقل والطاقة والصناعات المرتبطة. ويتوقع الصندوق الدولي أن تساهم في رفع التضخم العالمي، مما قد يؤثر على معدلات الفائدة والتخطيط المالي الدولي .
كذلك هناك تأثيرات على النمو الاقتصادي العالمي بنسبة تقدر بنحو 0.2%، كما سوف تتأثر الأسواق حيث شهدنا ارتفاع بالذهب، الدولار، والفرنك السويسري، بينما تراجعت الأسهم عالمياً خصوصاً في القطاع الصناعي والنقل الجوي .
· *من هي أكثر الدول المتضررة من هذه الحرب؟
-في الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل، تتفاوت درجة الضرر على الدول بحسب قربها الجغرافي، اعتمادها على النفط الخليجي، وحجم ارتباطها بالاقتصاد الإقليمي.
بناءً على ما هو متداول حتى الآن، فأن دول الخليج العربي وخاصة الإمارات والسعودية وقطر تعتبر من المتضررين الرئيسيين نتيجة قربها الجغرافي من إيران ومن خطوط الملاحة البحرية الحساسة مثل مضيق هرمز. كذلك نتيجة اعتماد اقتصاداتها على استقرار تصدير النفط والغاز.
كما أن دول شرق آسيا (الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية) من الدول المتضررة الرئيسية وذلك نتيجة اعتمادها بشكل كبير على استيراد النفط من الخليج عبر مضيق هرمز (الصين تستورد 40% من نفطها من الخليج). كذلك تركيا بسبب موقعها الجغرافي الحساس بين الشرق الأوسط وأوروبا، مما يولد ضغوط اقتصادية واحتمال تراجع حركة التجارة الدولية عبرها.
كما ان هناك دول أخرى متضررة بصورة متفاوتة.
· *هل باستطاعة دول اوبك بتعويض السوق اذا انخفضت الإمدادات الإيرانية التي تقدر بمليوني برميل يوميا؟
-الإجابة المختصرة: نعم تقنيًا، لكن عمليًا الأمر معقد ويعتمد على عدة عوامل سياسية وفنية
فمن الناحية التقنية تمتلك عدد من الدول النفطية احتياطيات كبيرة وفائض انتاجي يمكن أن يعوض عن أي نقص في الإمدادات.
من الناحية الفعلية، فأن زيادة الإنتاج لا تكون فورية وتحتاج من أسابيع إلى أشهر للوصول للطاقة القصوى. كما قد تكون هناك حاجة لتعديل مسارات التصدير واستيعاب الكميات الإضافية في الأسواق.
· *ما مستقبل اسعار النفط والذهب بضوء تطورت الحروب الدائرة عسكريا وتجاريا؟
-إن مستقبل أسعار النفط والذهب في ظل تصاعد الحروب العسكرية والتجارية يتأثر بعدة عوامل متشابكة.
بالنسبة لأسعار النفط، فقد كان واضحا تأثرها بالتطورات العسكرية لكون أي تصعيد عسكري واسع النطاق في الخليج العربي يمكن أن يهدد إمدادات النفط، خاصة عبر مضيق هرمز، مما قد يؤدي إلى قفزات سريعة في الأسعار.
كما أن الطلب العالمي يتأثر سلباً بتباطؤ اقتصادي محتمل في أوروبا والصين، ما قد يكبح ارتفاع الأسعار على المدى المتوسط.
وعلى المدى القصير، من المرجح استمرار تقلبات قوية، لكن على المدى المتوسط، فأن الأسعار قد تستقر نسبياً.
أما بالنسبة لأسعار الذهب فهو يعتبر ملاذ آمن في فترات التوترات العسكرية والاقتصادية، لذلك يرتفع الطلب على الذهب كأداة تحوط ضد المخاطر. في المقابل، فأن استمرار أسعار الفائدة
المرتفعة يحدّ من مكاسب الذهب عادةً، لكن في أجواء الحروب قد يتفوق عامل “الخوف” على عامل “الفائدة”.
كما أن تصاعد الحروب التجارية بين الكتل الكبرى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا) يدفع المستثمرون أكثر إلى الذهب.
· *الى اي حد ستتأثر دول مجلس التعاون الخليجي من هذه الحرب ؟
-تأثر دول مجلس التعاون الخليجي بالحرب بين إيران وإسرائيل سيكون عميقاً لكن متبايناً حسب كل دولة ودرجة ارتباطها الجغرافي والاقتصادي والسياسي بالنزاع.
معظم التأثير سوف يأتي من خلال أسعار النفط، حيث إن ارتفاع الأسعار سيزيد إيرادات دول الخليج المنتجة للنفط ما يعزز موازناتها العامة. لكن لا ننسى أنه إذا ارتفعت الأسعار بشكل كبير وبسرعة، قد يؤدي ذلك إلى ضعف الطلب العالمي ويخلق أزمات في الأسواق الناشئة، ما قد ينعكس سلباً لاحقاً على الصادرات الخليجية.
كما سوف تتأثر الاستثمارات الأجنبية نتيجة زيادة التوتر في المنطقة الذي يرفع تكلفة ارتفاع تكلفة التأمين على السفن العابرة لمضيق هرمز، وقد يؤثر ذلك على حركة التجارة الخليجية.
كما أن هناك تأثيرات مالية من خلال تحسن الإيرادات النفطية في المدى القصير كما قلنا، لكن يقابلها ارتفاع محتمل في الإنفاق الأمني. أيضا سوف يكون هناك زيادة الطلب على العملات الأجنبية للتحوط من مخاطر توسع النزاع. في المقابل، شهدنا تقلبات في أسواق الأسهم الخليجية، خاصة في البورصات الأكثر انكشافاً على المستثمرين الأجانب مثل سوق دبي وأبوظبي
التأمين على المخاطر الجيوسياسية مما يجعل بعض المستثمرين الدوليين أكثر حذراً تجاه الخليج. كذلك .