بدعوةٍ من جمعيَّة “معًا نُعيد البناء”، وفي سياق مُنتديات الكتاب قراءة ومُناقَشة، عُقِدَ في المعهد الأنطوني الحدث_ بعبدا، ندوة تحت عنوان: “الأُنوثة المعنويَّة في أبعادها الفلسفيَّة والنفسيَّة والروحيَّة” عولِجَ من خلالِها مجموعة من الإشكاليَّات الجوهريَّة المُتعلِّقَة بالأُنثى إنسانًا ودورًا ووجودًا.
الأب طوق
بدايةُ رحَّبَ رئيس دير مار أنطونيوس والمعهد الانطوني الأب فادي طوق بالحضور وأكَّد على أهميَّة مُناقشة مواضيع عميقة ودقيقة تتناول مفهوم الأُنوثة ودور المرأة في المجتمع، مُشدِّدًا على محوريَّة جوهر العنصر النسائي في كافّة أبعاده دينيًّا واجتماعيَّا وثقافيَّا.
د. صليبا
في كلمتها الإفتتاحيَّة عدَّدت المُنسِّقة العامّة لجمعيَّة معًا نُعيد البناء الدكتورة كريستيان صليبا، محاور عمل الجمعيَّة بدءًا بالتراث المشرقي المُشتَرَك، وهيئة الذهاب إلى الآخر والثقافة في المناطق تحت عنوان “تعرَّف تُحِبّ”، وبعدها هيئة الشباب للتعاون و التواصل مع الشباب والناشئة في انتظاراتهم ، ومِن ثُمَّ هيئة الكتاب قراءة ومُناقَشَة، وصولًا إلى هيئة شرق غرب لبنان، الأردن، فرنسا وسويسرا. وتطرَّقت إلى دور المرأة ومكانتها في المُجتمَع وأهمية الانوثة في بناء ثقافة السلام في المجتمعات.
الحاج
أدارت الندوة الإعلاميَّة سماح الحاج مُعتَبِرَةً بأنَّ المرور بين دروب الأُنوثة المعنويَّة ليس فقط موضوع للنقاش التقليدي، بل كمرآةٍ تعكس أسئلتنا ووعينا وتطلُّعنا، في مُحاولةٍ لمُلامسة ملامحها كوعيٍّ مُختَلِف، وكنظرة أُخرى إلى الذات وإلى الآخر، وإلى الحياة بأسرها مِن خلال فتح نافذة فكريَّة على موضوع يتقاطع فيه مفهوم الأُنوثة في أبعادها الفلسفيَّة والنفسيَّة والروحيَّة، في عالَمٍ تتسارع فيه التحوّلات وتتصارع في مُحيطها صياغة المفاهيم والمقولات، بحيث أصبَح من الضروري أن نتواصل ونتحاوَر، نلتقي لنرتقي لفهم ما تعنيه الأنوثة في جوهرها الإنساني.
د. فرح
من جهتها أشارَت رئيسة قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانيَّة ورئيسة هيئة الكتاب الدكتورة داليا فرح، بأنَّ الأُنوثة هي مجموعة من الصفات والسلوكيَّات والخصائص التي تميِّز الأنثى وتُعتَبَر جزءًا أساسًا من هُوِيَّة المرأة في الثقافّة العامّة. تشمل هذه الصفات خصائص جسديَّة ونفسيَّة وسلوكيَّة وتختلف في تعبيرها وتحديدها من بيئة إلى أُخرى ومن مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أُخرى ومن فترة زمنيَّة إلى فتراتٍ أُخر. ثُمَّ عدَّدَت وشرحت آراء بعض الفلاسفة في نظرتهم إلى المرأة، وأوجه التشابُه والاختلاف في المُقارنة بين الذكر والأُنثى.
د. دليقان
وفي كلمتها عالجت المُنسِّقة العامّة لصالون الأثر الثقافي-عاليه، المحلّلة النفسيَّة الدكتورة ثروت دليقان، الأُنوثة من منظور التحليل النفسي من فرويد إلى لاكان. إذ الأُنوثة في هذا الإطار تمثّل موضوعًا مركزيًّا ومعقدًا في أعمال كل من سيغموند فرويد وجاك لاكان، حيث عبّرا عن رؤى متشابكة تجمع بين الأبعاد النفسيَّة، والرمزيَّة، والجنسيَّة، واللغويَّة، وغيرها. بحيث عالج فرويد مسألة الأنوثة من منطلق نظريته في التحليل النفسي الكلاسيكي، وخاصة عبر مفاهيم مثل عقدة أوديب، والاختلاف الجنسي، وتطور الهوية الجنسية. فيما جاء لاكان لاحقًا ليُعيد تأويل مفاهيم فرويد من خلال البُنية اللُّغويَّة والسيميائيَّة، معتمدًا على البنيويَّة واللسانيَّات.
د. نصَّار
وأمَّا عن الأُنوثة المعنويَّة في بُعدها الروحي، فقد أشار الباحث الإنثروسوسيولوجي الدكتور حسام نصًّار بأنَّها تتخطَّى الهُوِيَّة الجندريَّة، أو الطبيعة البيولوجيَّة، وترقى إلى مفاهيم أكثَرَ عُمقٍ ودِقَّة، كمفهوم المُفيد والمُستفيد، إذ يَصِف هذا البُعد الإفادة والاستفادة، بالذكر والأُنثى. فالمُفيد هو الذَكَر الّذي يُعطِي إرسالًا، والمُستفيد هو الأنثى الّتي تُعطَى استقبالًا. فأيَّهُما كان المُفيد فهو بمثابة الرَجُل الذَكَر، وأيَّهما كان المُستفيد فهو بمثابة المرأة الأُنثى، بغضِّ النظر عن الجنس الطبيعي للمُفيد وللمُستفيد، أكانَ ذكَرًا من حيث الطبيعة أم أُنثى.وأشار بأنَّ من هذا المُنطَلَق يُفهم كون الرجال قوَّامون على النساء، أي المُفيد قوَّامٌ على المُستفيد. وعليه، فإنَّ مضمون الأُنوثة المعنويَّة في عُمقِ معناه يقوم على تقبُّل المُستفيد لُقاح العلوم والمعرفة من المُفيد، حتَّى إذا تقبَّل هذا اللُّقاح المعرفيّ النورانيّ وتربَّى فيه، تحوَّل هذا اللُّقاح إلى جنينٍ، ثُمَّ خَلقٌ آخر إنسانيّ، وتحوَّل المُستفيد إلى مُفيد مع بقائه مُستفيدًا في مُفيده.
مُداخلات الحضور
تميّز تفاعل الحضور أثناء جلسة المُناقشة بالحيويَّة والعُمق، حيث أظهر المشاركون اهتمامًا بالغًا بالمضامين المطروحة. تجلَّى ذلك من خلال كثافة المُداخلات، وتنوُّع الأسئلة، وحرص العديد منهم على الربط بين ما قُدم في الجلسة وتجاربهم أو اهتماماتهم المعرفيَّة الخاصَّة. كما بدا واضحًا أن بعض النقاط أثارت جدلًا فكريًا خلّاقًا، ممَّا أضفى طابعًا ديناميكيًا على الحوار، وعزَّز من ثراء النقاش.وقد تنوَّعت ردود الفعل بين التأمل الهادئ والتفاعل المُباشر، حيث عبَّر البعض عن تأثرهم بالمقاربات المطروحة، لا سيما تلك التي لامست قضايا الهُويَّة الأُنثويَّة والبُعد الإنساني في الموضوع المُعالَج. في المقابل، أبدى آخرون مواقف نقديَّة بنَّاءة، ما أتاح فرصة لتوسيع أفق النقاش وتبادل وجهات النظر.
ولعلَّ أجمل ما خُتِمَت به الجلسة ليس بالأجوبة النهائيَّة بل بأسئلةٍ جديدة وأُفقًا أوسع للتأمُّل والتفكُّر لإعادة صياغة العلاقة بالهُويَّة، وبالاختلاف، وبالوجدان الإنساني.