ما كادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين تلفظ كلمة مليار(يورو) حتى ضجّت بيروت وكل لبنان بالسؤال: كم اقتطعت الحفنة الحاكمة لنفسها من هذا الرقم.
لم ينتظر اصحاب السؤال ان يسألهم احد عن مصادر معلوماتهم وهل هي محقة، أم هي من نوع التقولات والأحاديث الشعبية المتداولة من باب القنوط مما يعيشه البلد، وصعوبة الإصلاح؟
الذنب في ذلك ليس مسؤوليتهم، فهو تهمة لا تحتاج إلى إثباتات، إذ يكفي ما جرى تداوله في الإعلام منذ قرارات حكومة حسّان دياب والصمت تجاهها لتبدو التهمة أقرب إلى الحقيقة والواقع، وباتت متّسقة مع ما يقال إنه مثل صيني مفاده: إضرب زوجتك، فإن أنت لم تجد لذلك سبباً فإنها ستتكفل بذلك. على هذا فإن تقصير المتابع في ايجاد ما يبرر الاتهام يعوضه معرفة الناهبين بما اقترفت أيديهم، خصوصا منهم، وهم الأكثرية، من يذكرنا تبدل أوضاعه المفاجئ بالقول:عز بعد فاقة للأمير علّاقة، وهو من شخصيات التاريخ اللبناني، ويحكى أنه خلال زمن الخلافة العباسية خضع الساحل الفينيقي كله لسيطرة الفاطميين ومن ضمنه مدينة صور حيث اشتد الاضطهاد للصوريين, وساءت الحالة الاقتصادية في المدينة.
في هذه الأثناء كان علّاقة مجرد بحار صوري يعمل على مركب لصيد الاسماك وقد ساءه ان يرى المدينة تعاني الفقر والاضطهاد والقهر، فأخذ يشد من عزيمة الصوريين على الثورة، إلى أن إنتفضوا، تحت قيادته، وطردوا الحامية الفاطمية من المدينة وإستقل بها وأنشأ حكما ً محليا ً كان من سماته أن صك النقود المعدنية التي نقشت عليها العبارة المذكورة.
قد نسيء إلى الأمير علّاقة بهذه المقارنة، فما فعله لمدينته نقيض ما فعله حديثو النعمة الراهنون: نقل صور ألى النعيم بينما هم رموا لبنان في أشداق الجحيم، والإفلاس والزبائنية وسوء ادارة البلاد، وشكلوا طبقة من الناهبين الذين لهم في كل عرس مالي اكثر من قرص، وفي كل مناقصة أكثر من سهم. مع ذلك لم نسمع عن مبادرة انسانية منهم لا لغزة ولا للنازحين السوريين ولا لفقراء اللبنانيين الذين يزدادون فقراً بفضل تراكم ثروات حديثي النعمة، الذين لم يسمع أحد ببادرة منهم تذكر بانسانيتهم.
يحز في النفس، أن نشهد للغرب بانسانيته ولا نلمس شبها لها في بلادنا، فالحس الأنساني لديهم أعلى بكثير مما لدينا. قبل أيام قليلة تبرع المغني العالمي أبيل تيسفاي المعروف باسم “ذا ويكند” بمبلغ 2 مليون دولار لجهود برنامج الأغذية العالمي في الاستجابة للاحتياجات في قطاع غزة. سيوفر هذا الدعم أكثر من 1500 طن من دقيق القمح وتوفر تلك الكمية أكثر من 18 مليون رغيف خبز وإطعام أكثر من 157 ألف شخص في القطاع طيلة شهر كامل”.
وفي كانون الأول 2023، تبرع “ذا ويكند” بـ 2.5 مليون دولار، أي ما يعادل 4 ملايين وجبة لبرنامج الأغذية العالمي في غزة مما أتاح تقديم 820 طنا من الطرود الغذائية لإطعام أكثر من 173 ألف فلسطيني لمدة أسبوعين.
ومنذ أن عين “ذا ويكند” سفيرا للنوايا الحسنة في تشرين الأول عام 2021، قام وشركاؤه ومعجبوه بجمع 6.5 ملايين دولار حتى الآن لصالح الصندوق خصص منها 4.5 ملايين دولار لعمليات الإغاثة في غزة ومليوني دولار لدعم النساء والأطفال في إثيوبيا.
ما تقدم عن هذا الفنان يدفع إلى التساؤل: أين هم الفنانون العرب، لاسيما منهم من يتفاخر بجني الملايين، وبكتل المعجبين والمعجبات؟ كذلك أينهم أغنياء الغفلة ممن أفقروا اللبنانيين، ولم يتعبوا من تعداد اموالهم.