بقلم الدكتور نبال موسى
طلب مني ذات يوم أحد المطربين الذين كانوا يعملون في النوادي العربية في باريس والذي لن أذكر اسمه لسبب ستعرفونه بعد قليل، طلب أن أجري معه مقابلة فنية معه في برنامجي ” نجم على الهواء” في إذاعة الشرق. فالإذاعة كانت في ذلك الوقت مسموعة كثيراً، وأي مطرب كانت تقدمه، كان حضور حفلاته يتضاعف بين ليلة وأخرى.
لم أكن مقتنعاً بصوته وفنّه، لكنني أردت تشجيعه خصوصا وانه لم يكن بين يدي في ذلك الاسبوع مطرب آخر أفضل منه. لم أعد أذكر السبب الذي جعلني أسجّل هذه المقابلة مع ان برنامجي كان يجري أصلاً على الهواء مباشرة كما يدل عليه اسمه، والحمد لله على تلك البادرة التي أنقذتني من إحراج كبير لو جرت المقابلة على الهواء ، فقد شاء القدر أن ينقذني من ورطة كبرى، لأن الذي حصل لم يكن في الحسبان ولا يمكن ان يتوقعه أحد.
جاء المطرب الى ستوديو التسجيل مع عوده الأنيق، وجلسنا نسجل. وبعد أقل من عشر دقائق، طلبت منه ان يسمعني شيئاً، فبدأ بالغناء، وبعد عدة ثوان، إذا به يقع على الأرض فوق عوده مغمياً عليه. دب فيّ الخوف من أن يكون قد توفي بذبحة قلبية، وما ان قمت عن الكرسي كي اسعفه أو أتحرّى الأمر، حتى استفاق من غيبوبته، فساعدته على النهوض بمؤازرة الزميلة التي كانت تدير أجهزة التسجيل والتي لم أعد أتذكر من كانت بالضبط، وأشربناه كوبا من الماء، ثم سألته عن الذي أصابه؟ فأجابني: لا شيء، لا شيء، كله تمام…دوخة بسيطة وانتهت، وطلب أن نكمل المقابلة وكأن شيئاً لم يكن.
عدنا الى التسجيل في هذا الجو الغريب والثقيل وغير المناسب. فكيف سيغنّي من وقع قبل دقائق مغمياً عليه؟ وكيف سأستمع أنا وأقول “الله” …بعد الذي حصل؟ المهم، عدنا الى التسجيل، وبعد عدد من الاسئلة أحب ان يسمعني أغنية جديدة، فقلت أبشر. لكنه، وبعد دقيقة من البدء بالغناء هوى من جديد على الأرض فاقداً الوعي، فأسرعنا مرة ثانية لمساعدته على الوقوف، وعاد مرة ثانية يقول لي: لا شيء، لا شيء، عارض بسيط، نكمل الحلقة. فقلت في نفسي كما يقول المثل اللبناني: التالتة ثابتة، لست مستعداً أن ارى هذا الشاب الفنان ميتا هنا في الستوديو، فلا أعرف شيئاً عن صحته ولا عن ملفه الطبي، ومن الافضل إنهاء هذه المقابلة المشؤومة. وأقنعته بأن ما طرحته من أسئلة كان كافياً، وطمأنته على أننا سنذيع كل أغانيه، فاقتنع، وخرج وأنا أرجوه أن يذهب فورا لمعاينة طبيب حفاظا على حياته، لأن ما حصل يؤشّر على ما قد يكون خطيراً. وشكرت ربي على ان هاتين الحادثتين لم تحصلا مباشرة على الهواء. ومنذ ذلك اليوم، لم أقابل هذا الفنان ولم اسمع عنه اي شيء.
***
هيام يونس
لم أعد أتذكر الكثير من مقابلتي مع الفنانة هيام يونس، ولم استمع الى شريط المقابلة الذي أحتفظ به لعلّه يذكرني بأشياء لطيفة يمكن أن أرويها لأنني أردت الاعتماد في هذه الذكريات على الذاكرة فقط.
كانت المقابلة على الهواء مباشرة، وكانت هيام يونس لطيفة جدا والضحكة لم تفارق شفتيها. وفوجئت بأن لها جمهوراً لا بأس به بين أبناء المغرب العربي في فرنسا. كانت تملك قدرة وسلاسة كبيرتين في الكلام، وتوزّع بكرم واضح العواطف والتحيات والكلام المعسول. لكن أطرف ما ميّز هذه المقابلة هو ان هيام جاءت ومعها دفتر كبير نوعاً ما وضعته أمامها على الطاولة. فكنت إذا سألتها عن الحب، فتحت الدفتر بسرعة على فصل الحب وأخذت تقرأ أشعارا وأقوالا جمعتها خلال سنوات طويلة عن الحب، بشكل يظن المستمع أنها تحفظها عن ظهر قلب. وإذا سألتها عن الصداقة فتحت الدفتر على فصل الصداقة وراحت تقرأ أشعاراً وأقوالاً جمعتها عن الصداقة …
قلت في نفسي، ولكي أخرجها من هذا الدفتر وتبوح لي ولو مرة بما يجول بخاطرها هي، سأسألها عن شيء لا أظن أنها جمعت أشعاراً عنه، فسألتها عن الغيرة بين الفنانين، لكن ظني سرعان ما خاب، فقد أخرجت لي من الدفتر ــــ الموسوعة عدة أبيات عن الغيرة والغيارى…
وهكذا، لم تكن المقابلة بالنسبة اليّ مع هيام يونس بل مع دفتر هيام يونس، بينما استمتع المستمعون بأبيات من الشعر الجميل عن الحب والصداقة والغيرة والزواج ….
ترقبوا مقالا للإعلامي الدكتور نبال موسى كل يوم اثنين