بقلم الدكتور نسيم الخوري
حملت سؤآلاً واحداً عبرعقود كنت أطرحه للتسلية وما زلت على وزراء معارف وأصدقاء:
هل تشعر أو كنت تشعر بضيقٍ أو حرج أثناء حضورك جلسات مجلس الوزراء، وهل يمكنك اختصار عملك في قصر بعبدا أو القصر الحكومي وكيف تسير جداول الأعمال واتخاذ القرارات هناك سواء أكانت الحكومة 16 أو 32 وزيراً ؟
يخجل الحبر بنشر ما هو أمامي وفي ذاكرتي.
وزير قال:”الداخل إلى قاعة مجلس الوزراء مفقود والخارج منه مولود”. يختلف الداخل كلّياً عما تشاهدونه أو تسمعونه من مقررات”. أعتبر معاليه أنّ عهد الرئيس ميشال عون كان من أكثر العهود التي تسرّبت عبره الأسرار ومناكفات المجالس منفوخةً إلى الخارج عبر الإعلاميات اللواتي تمرّسن بإحصاء أنفاس بعض الوزراء والمدراء داخل القاعات عبر التقرّب والتقريب ثمّ التسريب. كان من بين الذين ابتلتهم نكبة التوزير أكاديميين على نصاعة في الحكومات الحالية والسابقة. أكتفي بما أسرّ به دكتور قاضي تمّ توزيره مرّتين بعدما كان في الجامعة اللبنانية وكنت ممثّلاً للجامعة في مركز”الدفاع الوطني” للأبحاث والدراسات ويُصدر مجلّة أبحاث فصلية، فأحرّر أو أصحح بعض خطبه ومداخلاته وأوجّه أفكاره قبل مقابلاته الإعلامية، بصفتي كنت مديراً لكليّة الإعلام والتوثيق ف2. قال:
” قد تحتقر لبنانك لأنّك وزير…
يوزّعون علينا جداول الأعمال قبل يومين من الجلسات الوزارية المختصرة في عشرات البنود لتصل أحياناً إلى مئة وعشرين بنداً. لا يمكن لأيّ عبقري في الدنيا قراءتها أو الإطّلاع عليها أو حتّى تصفّحها حتّى ولو إدّعى العبقرية. كان الشباب يوافقون عليها بسرعة لأنّ القرارات مدروسة و”مفبركة” سلفاً ويصبح موقع بعض الوزراء محصوراً بالصورة والفاتورة أي بالراتب والكعب العالي بعيون المواطنين.
قال لي يوماً: “هل يمكنك أن تفهم، وأنت جامعي وحرّ، كيف ومن قام خلال دقائق بتعيين 700 أستاذ جامعي تمّ تفريغهم في الجامعة اللبنانية التي ترأستها، فقط بهدف تحقيق التوازن الطائفي المدروس مسبقاً والحجج المفروضة حيث ضاعت المعايير ولم نرَ الملفات ولا الشهادات وكيف تمّ تقييمها وممّن وحتّى لا مجال لك ولا فرصة بطرح الأسئلة بل برفع اليد السريع:
صدّق صدّق.
لطالما كان البصم هو السائد يستغرق بعض الوزراء بعدها بالتغامز والتسامر للقرارت المسلوقة طائفياً والمدبّرة سياسيّاً”.
وزير في حكومة قبل اعتبارها مستقيلة وحصرها بتصريف الأعمال هاتفني بالواتس أب غير المراقب برأيه منفجراً قائلاً:
«حتّى زوجتي وعائلتي يضيقون ذرعاً لمعاناتي إذ أخبرتهم بما يحصل. يحضّونني لشرف الاستقالة إن كنت أعاني إلى هذا الحد، وخصوصاً كلّما دلفت حزيناً متعباً بعد كلّ جلسة إلى المنزل”.
تلك مسألة مزمنة دمّرت لبنان المشدود بين رؤوساء المطابخ السياسية الطائفية وخصوصاً منذ انقسام اللبنانيين بين 5 و14 آذار على حدّ السيف عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري. آلت الأمور إلى مقاطعة بعض الوزراء الذين كانوا ينقلبون بمواقفهم السياسية، ونادراً ما كانوا يلجأون إلى تقديم استقالاتهم احتجاجاً على سياسات الاستئثار المذهبي والتسلّط الحزبي وعدم الاستئناس الدائم برأي الوزراء وتجاوز الدستور، وصولاً إلى تحقيق العدد الضامن أو المعطّل للحكومات التي تمّ كان يتمّ تأليفها فقط للقفز المصطنع من قلب الأزمات والانقسامات المُخيفة.
سألت الرئيس الدكتور سليم الحص يوماً في إحدى جلساتنا في الأمانة العامة الأسبوعية لـ«منبر الوحدة الوطنية»:
متى يصبح عدد الوزراء هو الضمانة لإتّخاذ القرار النظيف في الحكومات اللبنانية بما يقينا هذا التهميش ل”معاليهم” أعني وزراء الترضيةً والبصم ومعظمهم موظفو أحزاب ومرجعيات طائفية لا همّ لهم سوى “القتال” لإرضاء الزعيم والإحتفاظ بالمنصب؟
قال: ستبقى الحالة بدوام الأزمات السياسية والطائفية والمحسوبيات التي خرّبت الجمهورية وأفرغت التسمية والتعيين والمسؤولية الراقية الحرّة. كيف تستقيم تلك السلطات الإجرائية وكي يمكن محاسبتها فعلاً أمام السلطات التشريعية البرلمانية المتعددة الصفات؟
يفيض المناخ السائد بنقائص الحكم.
إنّ معظم الذين شاركوا في الحكومات منذ ال 1992، تاريخ انتقال السلطات، بموجب دستور الطائف، منح الوزراء “الملوك” سلطات تنفيذية معلنة أو سريّة لم يكن يحلم بها وزير في تاريخ لبنان بعدما كان مجمل الوزراء السابقين والمستوزرين، يغلّون في حضن رئيسي الجمهورية والحكومة ورؤساء المذاهب والأحزاب لضمان استمرارهم في «جنّة الحكم»، وهم قد يغلّون اليوم في مجموعاتٍ من الأحضان الأخرى القريبة والبعيدة احتفاظاً بلقب معالي الوزير الذي يخلعه هؤلاء عبئاً ثقيلاً أمام الباب قبل دلفهم إلى بيوتهم.
أختصر تعليقات بعض الوزراء بكونهم «كما الأطرش بالزفة»، تجري المياه من تحت أرجلهم الممدودة تحت طاولة مجلس الوزراء.
سؤال آخير جوابه منه وفيه:
من هذا الذي يؤلّف الحكومات أصلاً؟
رئيس الحكومة المكلّف أم زعماء الأحزاب والطوائف.