كرم أصدقاء الأب مارون عطا الله ، “راهب الثقافة والتراث والمواطنة” الاب عطا الله، في احتفال أقيم في دير مار الياس انطلياس، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لغيابه، برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى، وفي حضور المطران انطوان عوكر ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الشيخ نزيه صعب ممثلاً شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابو المنى، الرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي مارون ابو جوده.
كما حضر الاحتفال المطران سمعان عطالله، السيدة رباب الصدر، الرئيسة العامة للراهبات الأنطونيات الأم نزها الخوري، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، نقيب المحرري جوزف قصيفي، الامين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر، القاضي غالب غانم، الأمينة العامة للحركة الثقافية – انطلياس الدكتورة نايلا ابي نادر، رئيسة جمعية “معاً نعيد البناء” الدكتورة كريستيان صليبا ، رئيس جامعة آل عطالله انطوان عطالله ورؤساء بلديات ومخاتير وممثلون عن الحركات الثقافية والأصدقاء والأهل، بالاضافة الى وفد من سويسرا برئاسة المسؤولة عن مؤسسة شرق غرب ماري لور سترم.
وبعد النشيد الوطني افتتاحاً، قدم حفل الافتتاح الاعلامي روني ألفا متوقفاً عند فكر المحتفى به ونشاطاته ومواكبته لمبادراته الجامعة داخل لبنان وخارجه.
صليبا
ثمّ تكلمت الدكتورة صليبا فأبرزت ما قام به الأب مارون عطالله مع جمعيّة “معاً نعيد البناء” من مبادرات لنشر التراث المشرقي والاهتمام بالشباب والزيارات الثقافية تحت عنوان “تعرّف – تحب” وكل ذلك من أجل تحقيق شعاره “لبنان وطن يليق العيش فيه“.
ابي نادر
بعد ذلك، تحدّثت الدكتورة ابي نادر فأبرزت الجهد الثقافي الذي كان المحتفى به يبذله من أجل أن تبقى الثقافة في أساس بناء الوطن والمواطن، بالاضافة الى ما ناضل من أجله خلال مساهمته بتأسيس الحركة الثقافية – انطلياس التي لم تتوقّف نشاطاتها خلال الأزمات المتعدّدة.
الحجل
وبعد فيلم وثائقي، أعدّه الاصدقاء بالتعاون مع تلفزيون télé lumière، ألقى المحامي معوض الحجل كلمة رئيس بلدية انطلياس ايلي ابو جوده أبرز فيها ما قام به الأب مارون في دير مار الياس، دير العاميّة، وفي انطلياس “حتى اصبح اسمه مرادفاً لها من خلال النشاطات الليتورجية والثقافية التي عزّزت التلاقي بين جميع مكونات الوطن والأديان”.
الوزير المرتضى
وبعد كلمة للأباتي ابو جوده، تحدّث راعي الاحتفال الوزير المرتضى فقال: “من الواجب علينا تجاه انفسنا أن يسأل كلٌّ منّا نفسَه: لماذا أنا ههنا اليوم أشاركُ في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأب مارون عطالله. وأنا عن نفسي جوابي هو الآتي: أنا هنا لأنّ الأب مارون عطاالله انتمى الى المسيحية بالأفعال والأعمال، انتمى اليها بعد أن فهمها مثلي بأنّها في الأصل، وقبل كلّ شيء، وفوق كلّ شيء، إنتماءٌ الى المسيح؛ إنتماءٌ الى ذاك الذي لا نعرفُ مسافةً بين كلماته وأفعاله. أنا هنا لأنني أعرف ذلك المسيح، وأعتقدُ أن الأبّ عطالله عاش مسكوناً به، وأعرف أيضاً ما يمكن للشخص الذي يسكنُه المسيحُ أن يفعل، وأعرف أن بمستطاعه أن يصنع معجزاتٍ بإسم معلمه وببركته. في استطاعتِه أن يُحدِث شفاءً ليس كمثله شفاء؛ في استطاعته أن يكون – على حدِّ تعبيرِ أحد الأصدقاء – “قنبلةً ذَريّةً من الخير“!
اضاف: “أنا هنا لأنني أؤمن -وأجزم بأنّ هذا هو ايمان الأب عطا الله بدوره- أنّ المسيحية والإسلام، وإن كانا على اختلافٍ حول تفاصيلَ تتعلقُ بطبيعة المسيح وحيثيات مغادرتِه عالمنا الأرضي، إلا أنهما يتفقان، إلى حدٍّ بعيد، على المسيحِ الرسالة، والمسيحِ المنهج، والمسيحِ المشيئة، والمسيحِ الرؤيا. وما ينفعُنا، نحن البشر، هو الذي تتفّقُ المسيحيةُ والإسلامُ عليه. أما سائر ما يختلفان فيه فلا يؤول علينا جدلنا بشأنه بأيِّ نفعٍ على صعيدِ حياتِنا فوقَ هذه الأرض.” فالمسيحية والإسلام إيمانٌ واحدٌ تجسَّد في دينين مختلفين” لا يرضى إيمانُهما الواحد هذا أن يتصارعا، ولا يقبل إلاّ أن يتحاورا ويتعاونا ويتكاملا”.
وتابع: “كما أؤمن بأنّ علينا كمسلمين، لا سيّما ههنا في لبنان، أن نحيا “إسلاماً مُتَمَسحناً” يحيي قيم المسيح كلِّها وفق ما هو مختزنٌ في حقيقته وجوهر تعاليمه. فيكون تلاقي المؤمنين المسيحيين من هنا والمؤمنين المسلمين من هناك على عيش الفضائل الدينية، وأولها المحبة و الرحمة، إنبعاثًا لهذه القيم، وإيقاظًا لها من سباتها العميق الذي أراد لها الشرُّ المزروعُ في هذه المنطقة أن تغطَّ فيه لكي يسهل عليه خلق الفتن واستيلاد الحروب والمحن من اجل أن تخلو له الساحة فيفرض إستمرار وجوده فرضًا وسلاحه وديدنه أن يبثّ في الأرض فساداً وفي العلاقة بين المسلمين والمسيحيين متاريس ونزاعات”.
وأردف: “هناك أعلامٌ في لبنان يشبهون علم لبنان. لا تُنَكَّسُ لهم رايةٌ ولا تطوى لهم صفحةٌ بمجرد الرحيل. في الواقع كلمةُ الرحيل لا تنطبقُ على الذين ملأوا الدنيا وألهموا القلوبَ على التآخي والأيادي على المصافحة والضمائر على الصّفح. الراهب الأنطوني مارون عطالله كاهنٌ بنكهة المسيح وبقِماشَةِ علم لبنان”.
واكد أن “عظمة الأب مارون أنّه إرتقى بالمحبّة من مجرد لفظٍ تنطق به الشفتان. عمّمَها في عظاته لكنه مشاها على درب الآخَر فالتقاه وعاشَ معه فكانَ ان حوّلَ حياتَه الى عظةٍ متنقلةٍ هي العطرُ الذي يتفشّى كعدوى جميلةٍ تجذبُك اليه كما تجذبُ الوردةُ النحلةَ، انما بخلاصةٍ غريبةٍ تجعلُ الوردةَ تعطي رحيقَها وتعطي النحلةَ امتنانَ الحقل. الأب مارون عطالله كان الوردةَ والنحلةَ معًا. رحيقُ محبةٍ وعسلُ تذوّقِ نعمة العيشِ معًا”.
وقال: “من هذا المنظار كرَّسَ الاب مارون عطالله ثوبَه الكهنوتي بالنُّذور فكان ان تكرّسَ الثوبُ بالكاهنِ كما تكرّسَ الكاهنُ بالثوب في جدليةِ عاشق ٍومعشوق منذورَين للمسيحِ أولًا ولكنيسةِ المسيح التي هي بيتُ المؤمنِ وبيتُ الإيمان”.
اضاف: “واذ نحتفي اليومَ بالذكرى السنوية الاولى لرحيله ما زالَ الأب عطالله يزاولُ عادةَ اختطافِك اليه دون ان تتوفرَ لك العِدَّةُ لِمقاومته ، وكيف لك أن نقاومَ نورَ الشمسِ الذي يدخلُ الى مسامِك قبل ان يدخلَ من نوافذك؟ لا يعترفُ الاب عطالله بكلمةِ “تناقض” او ” خلاف” او ” اختلاف” .هي مفاهيم تسرحُ وتمرحُ قبل ان تُطلَّ مفاهيمُهُ، هو:تحابب… تناغمٌ..تكاملٌ ..سرُّهُ في ذلك خروجُه عن مألوفِ الشِّجارِ العقيم بين العقائدِ السماوية. كلُّنا أبناءُ الله ولذلك كان المسيحيُّ والمسلمُ في صلاتِهِ على المذبح وفي الأصغَرَينِ (القلب واللسان) لا كصلاة الفريسيين.
أخذَنا أسرى الأب عطالله. الكلمةُ وحدَها تأسُر لتُحَرِّر. كلُّ ما سواها يعتقلُنا.المعيّةُ سلاحُ الأبونا وال ” معًا نمشي،” ،” معًا نتمالحُ ” ، ” معًا نصلّي ” و” معًا نبني” كنيسةً ومسجدًا وخلوة. هذا هو هذا الصِدّيقِ الذي هنِئَ برهبانيَّتِهِ الانطونية وهنِئتْ به. هو استلهمَ دعوتَه من جدران تبتُّلِها وهي تعلَّمَت من إسكيمِه طيبةَ يوسف ولاهوتَ بولس وايمان بطرس فهنيئًا للرهبانيَّةِ بالراهبِ وهنيئًا للراهبِ بالرهبانية”.
وأعلن ان “الواجِبُ الاخلاقي والوطني يحتّمُ علينا كلٌّ من موقعه حملَ شعلةِ مارون عطالله واذ لا أقرِنُ اسمَه هذه المرة بلقبه الكهنوتي فلأنه، كمواطن نموذجي، يمثِّلُني ويعكس تطلّعاتي وتطلّعات كلّ لبناني واعٍ وصادق، كيف لا وهو الراهبُ المواطنُ والمواطنُ المترهِّبُ الذي عبرَ كنيسته الى لبنان فطوبى لكلِّ الطوائفِ به لأنه باتَ مُلكًا لضميرِ لبنان الحقيقي الذي يسكنُ في كلِّ واحدٍ منا.
أما لجمعية ” معًا نعيد البناء “، فأقول إعادةُ البناءِ أصعبُ من البناء لأن فيها ايمانُ التكرار والإصرار على ترميمِ ما تهدّم. البناءُ لا يتمُّ مرةً واحدةً عندما نبني الانسان. الانهياراتُ الاخلاقيةُ مستمرةٌ واعادةُ بنائِها مستمرٌ ايضًا وهنا بالتحديد تكمنُ فلسفةُ الاب عطالله: ابنوا.. يهدمون.. أعيدوا البناء!! ابنوا.. يهدمون..أعيدوا البناء”.
وختم: “أقتبسُ أخيرًا من الأب عطالله” ميلادُ لبنان، الوطنُ الذي يحلو العيشُ فيه بالنهجِ الجديد وباليوتوبيا الخلّاقة وبالوحدة في التنوُّع وبالأُخوَّة وبسقوط الخوف والطائفيَّة وبالحرِّيَّة“. انه الدستورُ غيرُ المكتوب الأقوى من كلِّ الأعراف والمواثيق التي وقّعنا عليها منذ الجمهوريةِ الاولى حتى اليوم. دستورُ التنوّعِ والأخوَّةِ والحريةِ والاهمُّ الأهم اذا سُمِحَ لي.. دستورُ سقوطِ الخوف، نعم سقوطُ الخوف. الخوفُ من الآخَر يورثُنا أحقادًا غيرِ مبررةٍ وهواجسَ وهميةً ويرفعُ الجدرانَ والأسوار. فلنبدأْ بتطبيقِ أولِّ مادةٍ في دستور الأب عطالله أعني بها سقوطُ جدرانِ الخوف وبناءُ نوافذِ الاخوَّةِ والحرية. لا فَضلَ لنا اذا انتظرنا نوافذَ الحرية لهدمِ جدرانِ الخوف. من يفعلُ ذلك انتهازي. فقط من يبادر الى احتضانِ الآخَر واقتراف فعل المحبة المبارك يرى امامه جدران الخوف تسقطُ من تلقاءِ نفسها ويرى نوافذَ المحبة والحرية والاخوَّة تنفتحُ من تلقاء نفسها امامه. نتعلّمُ من الأب عطالله ان نشرّعَ نوافذَنا وننتظرَ بركةَ المسيح تحلُّ علينا مسلمينَ ومسيحيين.. رحمه الله وبارك فيكم يا من أحييتم ذكراه”.
معرض وطاولة مستديرة
وبعد أن افتتح الوزير مرتضى معرض صور فوتوغرافية مأخوذة من أرشيف يوسف نصار، رفيق الأب مارون في رحلاته/ وبعد جولة في أرجاء المعرض الذي حمل عنوان: محطات وذكريات، وبعد استراحة قصيرة مع ضيافة المناسبة، انعقدت طاولة مستديرة حول فكر المحتفى به، أدارها الدكتور ناصيف قزي، واستهلّها بلمحة موجزة عن الاحداث التي عصفت بلبنان والتي واكبها الاب مارون مع نخبة من المهتمين بالشأن العام وبقضايا المواطن بمبادرات وحدوية مع أهل الفكر والثقافة ومع الشباب من أجل تعزيز الرجاء في زمن كانت مساحات التلاقي شبه معدومة بسبب أعمال العنف والحرب التي عززت صراعات المحاور”.
الشيخ صعب
وبعد أن قدّم الشيخ نزيه صعب، تحيات شيخ العقل ابو المنى وتمنياته للمجتمعين مستعيداً ذكرياته مع المحتفى به، ألقى قصيدة عبر فيها عن المسيرة التي عاشها مع الأب مارون والتي عزّزت بين الاثنين “الصداقة والعمل من أجل لبنان وأهله”.
الصدر
ثمّ تحدّثت رئيسة مؤسسات الامام موسى الصدر فأبرزت عدداً من نقاط التلاقي بين الاب مارون وبين ما كان ينادي به الامام المغيّب.
فحص
ثمّ تحدّث مصطفى فحص من “أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام”، فأبرز الصداقة التي كانت قائمة بين الشيخ هاني فحص والأب مارون “والتي تجسدت بلقاءات ومواقف مشتركة عززت الوحدة الوطنية من جهة والصداقة من جهة ثانية”.
لور سترم
ثمّ تحدّثت ماري لور سترم من “معاً نعيد البناء – سويسرا“: فاشارت الى دور الاب مارون في الدعوة الى التلاقي “شرق – غرب” وفي الاعتماد عن المبادرات الثقافية من أجل تعزيز التعاون والاطلاع على القواسم المشتركة في الموروث الثقافي المشرقي والعربي”.
دلال
وقدم رئيس جمعية محترف راشيا شوقي دلال شهادة موضوعية عن دور الأب مارون في “التعريف على البقاع الغربي وفي السعي لاغناء أهل المناطق والأديان بالحوارات وبالتعرّف على الآخر”.
كبارة
وتوقف رئيس الجمعية الوطنية لحقوق ذوي الاعاقة الخاصة في لبنان الدكتور نوّاف كباره، عند الاحداث المتتالية في لبنان، “والتي كان القصد منها زرع الفرقة بين المواطنين”. وأبرز كيف وقف الأب مارون “بلباقته وبلقاءاته الحوارية لكي يشجّع كل المبادرات التي كانت تتم في كل لبنان والتي كان من شأنها الدعوة باللجوء الى الحوار والى التصدي للتفرقة من خلال نبذ العنف وصنع السلام”.
ثمّ تحدّث رئيس الاتحاد العالمي للأندية والجمعيات والمراكز الثقافية لليونسكو الدكتور مصطفى علي بدر الدير، فأبرز “مساهمة الاب مارون في الدعوة الى توحيد كل نشاط لدى الجمعيات ومن اجل انماء الانسان ومن أجل ان تكون الثقافة سفينة عبور الى الآخر ومشجّعة لزرع الآمال في مجتمع مهدّد بالانقسامات.“
طوق
وأخيراً، تحدّث انطوان الخوري طوق عن الأب مارون “الذي كان مبدعاً في فتح مجالات التلاقي بين الناس وفي حضوره الدائم الى جانب الشباب”، مشيداً “ببداعته في تذليل كل العقبات التي تمنع الانسان من محاورة الانسان الآخر ومد الجسور ليكون الجميع معاً”.
وبعد، نقاش شارك فيه بعض الحضور، اختتم مدير الجلسة الدكتور قزي، بكلمة ذكّر فيها ببعض أقوال الأب مارون وشكر الجميع على مشاركتهم واهتمامهم.