بقلم الدكتور نبال موسى
عندما أعلن خبر زواج الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بالسيدة سهى الطويل في العام 1992، كنت في ذلك الوقت مديرا لتحرير مجلة “الدولية” الأسبوعية السياسية التي أسسها أنطوان نوفل. لم يكن أحد في وسائل الإعلام العربي أو العالمي قد سمع من قبل باسم السيدة سهى الطويل، ولم تكن أية وكالة تصوير في العالم تملك أية صورة لها. كان حدثا عالميا مهما، وكانت جميع الصحف والمجلات، ليس في فرنسا فقط بل في العالم أجمع، تبحث عن صورة لزوجة أبي عمار لتنشرها مع الخبر. وقد اتصلت بنا في حينه أكثر من جهة، كوننا مجلة عربية، تسأل عما إذا كنا نملك صورة للسيدة عرفات أو نعرف طريقة للحصول عليها، وكنا نجيب بالنفي، فلم تكن لدينا بالفعل اية صورة لها.
وفجأة تذكرت مجلة “ياسمين” النسائية الأنيقة التي كانت شقيقة مجلة “المستقبل” والتي كنت قد تسلّمت رئاسة تحريرها من العام 1985 حتى توقفها في العام 1988.
كنا ننشر في “ياسمين” حلقات بعنوان : “غدا تكون سيدة”، وكنا نستضيف فيها شابات عربيات بارزات وناشطات في ميدان معيّن، ومن خلال مقابلة مطوّلة، كنا نحاول التعرف وتعريف القارئ على أفكارهنّ ونظرتهن للحياة والسياسة والمجتمع ومشاريعهنّ للمستقبل الخ.
وحدث أن علمنا ذات يوم ان جامعية فلسطينية جميلة ومثقفة اسمها سهى الطويل هي رئيسة الاتحاد العام لطلبة فلسطين في فرنسا، فاتصلنا بها واتفقنا على إجراء مقابلة معها لواحدة من الحلقات المذكورة، وكلّفت الزميل في ذلك الوقت ميشال خليفة إجراء المقابلة، وأرسلت معه المصور وديع شحيبر وتمت المقابلة ونُشرت.
لكن “المستقبل” و”ياسمين” كانتا قد أُقفلتا للأسف، وتم رمي الأرشيف في الزبالة، وضاع كل شيء. فما العمل، ونحن أيضاً في مجلتنا نريد صورة للسيدة سهى ننشرها مع الخبر؟
كنت، ولا أزال، أحتفظ في منزلي بجميع أعداد ” ياسمين”، كما احتفظت فيما بعد بكل المجلات التي ترأست تحريرها. وكان الحل الوحيد هو أخذ الصورة المنشورة في المجلة واستخدامها. كان بإمكاني نشر الصورة بكل بساطة في “الدولية” و” لا مين شاف ولا مين دري”، وكان بإمكاني بيعها، فأنا كنت رئيس تحرير “ياسمين” وأنا الذي أنتج المقابلة، والمجلة أقفلت… لكن ضميري المهني دفعني الى ان لا أرضى بنشرها من دون الاتصال بالمرحوم نبيل خوري صاحب “المستقبل” و”ياسمين” لأطلب منه الإذن بالنشر. ولسخرية القدر، كان نبيل خوري قد انتقل بعد إقفال مجلّتيه ليصبح مستشارا في الإذاعة التي كانت فكرتي والتي شاركت في تأسيسها. سألته السماح بنشر الصورة فوافق طبعا وشكرني على هذا التصرّف المهني “النادر” كما قال.
كنت أعرف رئيس تحرير مجلة “باري ماتش” الفرنسية الشهيرة ، فاتصلت به قائلا: تفضّل إلى مكتبي، عندي لك سبق صحفي مهم. حاول ان يعرف على الهاتف ما هو هذا السبق الصحفي المهم، إلا أنني لم أفصح عنه. بعد حوالي ربع ساعة وصل على دراجته النارية، وما إن دخل حتى أبرزت له الصورة قائلاً: هذه هي السيدة عرفات. فاندهش وكاد يطير من الفرح وسألني فوراً: كم تريد ثمنها؟ قلت: مجانا، هي لك لتنشرها في مجلتك. لم يصدّق بادئ الأمر، فالتفرّد بصور من هذا النوع وفي مناسبة مثل هذه المناسبة المهمة له ثمن باهظ. فرويت له قصة الصورة ومن اين جاءت.
نعم، كان بإمكاني بيعها بكل بساطة، له أو لغيره، فقد سبق أن بعتُ لمجلة “باري ماتش”، ليس لمصلحتي بل لمصلحة طالبة لبنانية لا داعي لذكر اسمها كانت تدرس في باريس، صورة فريدة لميشال عون لاجئاً داخل السفارة الفرنسية في بيروت بمبلغ 15 ألف فرنك فرنسي، التقطتها الطالبة التي هي ابنة أحد العسكريين الذين كانوا لاجئين معه. لكن صورة سهى عرفات لم تكن ملكي، فكيف أبيعها؟ لا بل إن هذا الأمر لم يخطر على بالي ولا حتى لحظة واحدة.
وهكذا، كانت “الدولية” والمجلة الفرنسية أول مجلّتين في العالم نشرتا صورة زوجة الزعيم الفلسطيني أبي عمّار رحمه الله.