يعبر الزمان ثقيلاً وبثانيةٍ من31/12/2022 إلى 1/1/2023، وتُمسّ البشرية بالجنون.ويركع حبريمجدّداً وكلّ حبرٍ في الأرض يرفع أصابعه العشر سلفاً عاجزاً عن رسم تلكالثانيةالمتزحلقة بين عامين/زمنين/دهرين تحمل فوق ظهرها كتلاً راقصةًمن “حشرات”الإبتسامات والدموعوالصراخوالإحتفالات والتوقعات وكأنّناسنسقط فوق الحافة الكبرىأوفي اليوم الأخير. لا نعرف عدد المتعلّقين بأذيالعامٍ مضي،لكنّني متيقّنجدّاً أنّاللبنانيين المُقيمين فقط هم خارج الموضوع لأنّ أيديهم ورؤوسهم مقيمة في جيوبهم وفي دموع مؤجّلة نحو المستقبل.
لنقل أنّ الإنسان تمكّن من تفتيت المكان وكذلك الزمان الرتيبأرقاماً وأعواماً حتّى الثواني التي تعكّز فوقهاالفلاسفة لنبشالعقول والأفكار.
ولنقل أنّ عصرنا مُذيّل بتوقيع” لوغاريتم” أي عالم الرياضيات والفلك والجغرافيا المُكنّى بأبي عبدالله بن موسى الخوارزمي ( 781- 847 ) الذيأوصل البشريةاليوم لما يُعرف ب”الذكاء الإصطناعي”لربّما تستعيدالبشرية توازنها، لكنّ قوّة الزمان تبقىتتجاوزالعقوللفهم البدايات والنهايات.
قالت النظرية الرواقية مثلاً، أن العالم سينتهي ب”نار تلتهمه.وبشّر الهنود ب”السنوات الكبرى” مع ظهور”سيفا” مطهّراً العالم من أدرانه، ومثلهمافكّر الباطنيون، وكذلك فكرة “المخلص” عند فارس القديمة أو “ميترا” منظم الكون ومنقذه المعروف ب” الأفشتا” التي ستعود بنيرانٍتلتهم الكون. وقال بوذا ب”مخلص العالم” بعدما يعمّ الجور، أو “المدينة الفاضلة” في فلسفة افلاطون والفارابي، وقالاليهود بمجيء المخلّص في العهد القديم، وعودته آخر الأزمنة عند المسيحيين. وقال الشيعة ب”المهدي المنتظر” الذي سيعود ليحل العدل مكان الشرور…إلخ.
تسوق هذه الأفكار والمعتقدات عندماالبشريةتقف البشرية على تخوم الزمان المحكوم أبداًبالبدايات والنهاياتوالولادة والموت والأسئلة الكثيرة التي أقلقت وتُقلق البشر ومستقبلهم وتستدعي ماضيهم في كلّ لحظة.
أمسِ كنت أحاضر في الجامعة، بأنّالبشرية عبرت أهوال الألفية الثانية، وانطوت مقولة:” تؤلف ولا تؤلفان”لكن جروح القارات الخمس تضخّمت بفعل كوارث المناخ والأوزون والتلوث،وصراعات العظمة الدولية على تفريغ الأرض والمحيطات من الغاز والنفط إلى صناعاتالعنف والجرائم والأمراض و”الإرهاب” وأسلحة الدمار الشامل الجرثومية والكيماوية والنووية التي تتردّد على الألسن العظيمة عبرشاشاتالعالم،وتجعلنا نتصور وكأنّ البشريةوالدنيا مجدداً في الميزان، وكأن مشهد ال13 بليون إنسانيدّبون فوق سطح الأرض ينتظرهم القرن 23 المرعب حاملاًجدل اليوم الأخير ونهاية الكون وتتسابقالدول ووسائل الإعلام فتروّج لآخر الدنياأمام حفافي الأرقام.
ليس جديداً، هذا التبشير المُلازملوجود الإنسان وقد اعتُبر من مغذياته الأسطورية بأشكاله القديمة والحديثة. هكذا سيبقى الإنسان يعتبر الدنيا فردوساً مفقوداً أضاعه نتيجة ذنوب اقترفها، ولطالما كان يجهد فكره للعودة إلىالسلوك والصور التي تملأ الكون عدلاً ورخاءً وفرحاً بعدما ملأته التجارب والحروب شروراً وأزمات.
إننا وكأننا نعاين بين عامٍ يمضي وعام يصل ملامح اليوم العاصفنودّع فيه ديمقراطية النزاعات والحروب المتفشّية تهديدات مُقيمة تحت وسائد زعماء العالم وفي رؤوسهم، وكلّها تدفع الدنيا نحو ترسيخ ما يمكنني تسميته باستراتيجيات الإعماروالإنهيار حيث تدنو لحظة الحساب الفاصلة المجبولة بالألام والآمال والتي يمكن تجاوزها بفرحٍ عبر الإيمانوتذكيرنا أيضاً ب:
1-في العهد الجديد سأل بطرس في زقاق: ما علامة … نهاية العالم؟ أجاب:” ستقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتحدث مجاعة وزلازل في أماكن كثيرة، وهذا كلّه بدء المخاض… ستحدث عندئذ شدة عظيمة لم يحدث مثلها منذ بدء الخليقة الى اليوم ولن يحدث… وعلى إثر الشدة، تُظلم الشمس والقمر لا يرسل ضوءه، وتتساقط النجوم من السماء، وتتزعزع قوات السموات… وينال الأمم كرب في الأرض وقلق من عجيج البحر وجيشانه، وتُزهق نفوس الناس من الرعب”.
متى وكيف يتم ذلك؟
قال: ” ما من أحد يعلمها”!
“كونوا مستعدين إذن…احذروا واسهروا، لأنكم لا تعلمون متى يحين الوقت…واحذروا أن يُثقل قلوبكم… القصوف وهموم الحياة الدنيا، فيباغتكم ذلك اليوم كأنّه الفخ يُطبق على … وجه الأرض كلّها”.
2-نهاية العالم مذكورة في آيات من القرآن الكريم. المسلم هو الذي يُسلّم أمره للّه والمؤمن باليوم الآخر الذي سيُطبق على العالم كالطامة الكبرى. تتزاحم الأحداث التاريخية مع الظواهر الكونية التي تجعل الناس تتذكّر وتركن لما سيرافقها: “فإذا نفخ في الصور…تزعزع النظام الكوني وفزع من في السموات ومن في الأرض، ومارت السماء، وانشقت، وطمست النجوم، وانكدرت، وكورت الشمس، وانشق القمر وخسف، وجمعت الشمس والقمر، وطويت السماء ورجّت الأرض، وسيرت الجبال…”
نترقيها سنة طافحة بالتخلّص من الشياطين والناهبين والمدمّرين.
عضو الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات
أستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه