بقلم د. بشار عيسى / سورية
مع تشعب قضية الأزمة التي تُعانيها اللغة العربية في العصر الحالي من حيث جفاف الروافد و شبه العجز عن مُلاحقة وتيرة العلوم الحديثة المتسارعة يُمكن القول بصورة عامة بأن ضمور العقل النظري يرجع إلى أسباب رئيسية متشابكة و مُرتبطة فيما بينها بشكل وثيق و لصيق و يتجلى أهمها في التخلف عن مُواكبة ركب التحولات اللسانية الحديثة و العصرية من مناهج و نماذج و كذلك نظريات ، إضافة إلى موضوع هام يتجلى في جفاف الروافد العلمية المُنصبة في قاع جدول المنظومة اللغوية ، و يُقصد بفجوة العقل توصيفاً بأنها التخلف الفكري اللغوي عن توظيف اللغة علمياً في شتى المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و الحياتية المختلفة و يمكن تقسيمها إيجازاً إلى فجوات فرعية يتبلور أهمها في :
– فجوة العقل التربوي : يتناول أموراً عدة تتجلى في تعليم اللغة و تعلمها و كذلك إبراز دور اللغة كأداة فاعلة لتنمية القدرات الذهنية و الإبداعية إضافة إلى تنمية روح الانتماء الوطني من خلال توطيد الارتباط باللغة الأم .
– فجوة العقل الإعلامي : يتناول الفكر الإعلامي مناحي بارزة تتبلور في أثر لغة الرسالة الإعلامية على مدارك المُتلقي و أيضاً دور شتى وسائل الإعلام في توليد مصطلحات جديدة لازمة و ضرورية جداً لتغطية المفاهيم المُستحدثة التي يتوالى ظهورها بشكل شبه يومي ، و كذلك دور الإعلام في نشر الثقافة اللغوية و تطوير الجوانب الحوارية في استخدام اللغة مع المُلاحظة بأن علاقة اللغة بالإعلام ما تزال مقصورة فقط على تصويب الأخطاء لكل من الكّتاب و المحررين و المذيعين .
– فجوة العقل الإبداعي : يستعرض الفكر الإبداعي علاقة اللغة بأجناس الفنون من أدب و شعر و موسيقى و مسرح و سينما و خلافه ، إضافة إلى دور اللغة في تنمية صور القدرات الإبداعية من خلال ابتكار مجموعة التعبيرات و المجازات .
– فجوة العقل التكنولوجي : يُسلط العقل التكنولوجي الضوء على تطبيق أساليب الذكاء الاصطناعي في معالجة اللغات الإنسانية كافة و كذلك دعم تطوير نُظم الترجمة الآلية المُتطورة إضافة إلى تقديم الزخم اللازم لتكنولوجيا المعلومات بغية ترسيخ اللسانيات النصية في كل شبكات علاقات التواصل الاجتماعي بتماسك سياقي و منطقي .
أثمر مخاض التفاعل العلمي بين اللغة و مختلف الفروع العلمية ولادة نماذج لغوية عدة ساهم في ظهورها التوسع الذي يبدو عفوياً بل و عشوائياً أحياناً أخرى في براعة استخدام علوم الكومبيوتر في المجال اللغوي و ما يتطلبه ذلك من تمثيل اللغة رغم اختلاف تفاصيل الأحداث بصورة منهجية تُلبي مُتطلبات المعالجة على اختلاف أزمنتها و أمكنتها ، و لا يخفى على أحد بأنه لا بد من تسليط الضوء الساطع على أهم العلوم اللغوية الرافدة لعدد كبير من معاهد و مراكز البحوث و لعل من أهمها :
– علم اللغة المنطقي ( المنطق ) : من الطبيعي أن يكون لقاء اللغة بالمنطق حاسماً و واضحاً نظراً لكون الفعل اللغوي هو فعلاً عقلياً في المقام الأول .
– اللسانيات الرياضية : فالرياضيات هي الوسيلة المُثلى لاحتواء اللانهائي اللغوي من ألفاظ و معاني و استعارات و ما شابه و بمعادلة رياضية واحدة يمكن اختزال حالات عديدة من التجليات اللغوية بفضل قدرة الوسائل الرياضية على التعامل مع فك الرموز و العلاقات المجردة .
– علم اللغة الاجتماعي : و يتناول اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية على اعتبار أن أساس مهمة اللغة بالمقام الأول هو التواصل للقيام بالوظائف الاجتماعية المختلفة و تتحدد معانيها وفقاً لكل سياق اجتماعي .
– علم اللغة الإحصائي : و هو قائم على أساس دراسات تحليل النصوص اللغوية بقياس ما تحمله من كم المعلومات و هذا الأمر أدى بدوره إلى النجاح أيضاً في تحليل نصوص الأدب و الشعر على أساس إحصائي .
– علم طبيعة الأصوات : يتجلى عمل ذلك العلم حقيقة من خلال دراسة الخصائص الفيزيائية للصوت اللغوي عبر ما يُعرف بأنماط التنغيم و التي تختلف وفقاً للنمط التركيبي للجمل و الكلمات ، فعل سبيل المثال يختلف تنغيم الجملة الخبرية عن نمط الجملة الإنشائية و أيضاً يتمايز تنغيم أسلوب التعجب عن تنغيم كل من المدح و القدح .