تواجه أوروبا موجة غير مسبوقة من غلاء الأسعار هي الأسوأ منذ عقود طويلة، ما أدى إلى تسجيل معدلات تضخم خطيرة أرهقت القدرة الشرائية للأوروبيين وأدخلت الملايين منهم تحت عتبة الفقر.
ولا حديث في البنوك المركزية الأوروبية والمؤسسات الاقتصادية إلا عن أزمة التضخم التي تجاوزت في معدلاتها أكثر السيناريوات تشاؤما.
وبلغت نسبة التضخم في منطقة اليورو أكثر من 5% مع بداية العام الحالي، وهو أعلى معدل للقارة الأوروبية منذ 30 عاما، وتنسحب أرقام التضخم المرتفعة على الدول الأوروبية الغنية (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا)، وتزداد سوءا في الدول الأوروبية الفقيرة كما هو الحال بالنسبة لدولة ليتوانيا (12%).
وضربت موجة غلاء الأسعار الدول الغنية بشكل كبير، خصوصا الثلاثي الأغنى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهذه الأخيرة -التي تعتبر الاقتصاد الأكبر في القارة العجوز- كانت توقعات التضخم بالنسبة لها لعام 2022 في حدود 3.7%، قبل أن ترتفع إلى 5.1%، وهو أعلى رقم يتم تسجيله منذ 3 عقود.الوضع نفسه ينسحب على فرنسا التي كانت التوقعات تشير إلى تسجيل نسبة تضخم في حدود 2.8%، قبل أن ترتفع بداية العالم 2022 إلى 3.3%.
أما في بريطانيا فإن توقعات البنك المركزي البريطاني كانت تشير إلى نسبة تضخم في حدود 5.4% ليصل الرقم إلى 5.5%، وهو أعلى رقم منذ سنة 1992، ما دفع البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة مرتين على التوالي في غضون أشهر قليلة، وذلك لأول مرة منذ سنة 2004 بغرض التحكم في التضخم.
وتظهر أرقام مكتب «يورو ستات» (Euro stat) للإحصائيات التابع للمفوضية الأوروبية أن 35 مليون مواطن أوروبي لم يعودوا قادرين على دفع فاتورة التدفئة في منازلهم، وأن هؤلاء بات عليهم الاختيار بين شراء الأكل أو دفع فاتورة الغاز، وتظهر الأرقام نفسها أن ربع السكان في دولة مثل بلغاريا باتوا غير قادرين على توفير التدفئة لمنازلهم.
وبسبب موجة الغلاء هذه فإن 15 مليون أوروبي يستفيدون من بنك الأغذية التابع لصندوق المساعدات الأوروبية، وهو رقم لم يتم تسجيله منذ أكثر من عقدين.
وتظهر أرقام المفوضية الأوروبية أن هذا الوضع ساهم في زيادة عدد الأوروبيين المهددين بالنزول تحت خط الفقر، في اليونان مثلا بات 7 ملايين مواطن مهددين بشبح الفقر، وهو الرقم نفسه المسجل في ليتوانيا، فيما يرتفع إلى 11 مليونا في بلغاريا.
أما في الدول الغنية مثل ألمانيا فإن حوالى 3.5 ملايين ألماني باتوا معرضين لخطر الفقر، وفي فرنسا 2.1 مليون مواطن، وفي إيطاليا أكثر من 5 ملايين مواطن يلاحقهم شبح الفقر، و4.6 ملايين في إسبانيا.
ما أسباب التضخم؟
ساهمت عوامل كثيرة في التضخم الذي يعاني منه العالم عموما وأوروبا خصوصا، من بينها وباء كورونا وارتفاع أسعار الطاقة، إلا أن استطلاعا أجرته مؤسسة «سي إف إم» (CFM) حول أسباب التضخم في أوروبا أظهر أن 77% من رجال الأعمال البريطانيين يلقون باللائمة على المشاكل الحاصلة في سلاسل التوريد العالمية.
هذه الأزمة بدأت بالنقص الكبير في مكونات المواد الإلكترونية ورقائق السيارات، قبل أن ينسحب الأمر على شاحنات التوريد، وهو ما أدى لتعطل الإنتاج، وأمام «انفجار الطلب لمرحلة ما بعد الإغلاق العالمي» أدى الأمر إلى ارتفاع الأسعار.
وحسب توقعات المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جينتيلوني، فإن نسبة التضخم سوف تستمر في الارتفاع في المنطقة الأوروبية إلى نهاية الصيف، وهذا راجع لسبيين رئيسيين هما أزمة التوريد وارتفاع أسعار الغاز، ويضاف إليها الآن الأزمة الأوكرانية وشبح الحرب.
ويتصدر ملف التضخم أجندة الحكومات الأوروبية، وتحاول التخفيف من حدته على جيوب المواطنين، لعلمها أنه حل جذري ربما يتجاوزها ومرتبط بظروف عالمية متقلبة، فعلى سبيل المثال، أعلنت بريطانيا أنها سوف تقوم بإعفاء المواطنين الذين يؤدون الضريبة على السكن بحوالى 220 دولارا، حتى يتمكنوا من مواجهة الارتفاع المرتقب في فاتورة الطاقة.
أما في فرنسا فقد أعلنت الحكومة أنها تفكر في إعفاء 80% من المنازل الفرنسية من الضريبة على السكن، والإبقاء عليها فقط للفئة الغنية التي تشكل 20% من الفرنسيين، وسيتم تطبيق هذا القرار على مراحل.
بدورها، تدرس الحكومة الألمانية إقرار تسهيلات على فواتير الطاقة والضريبة على القيمة المضافة، وإصدار مساعدات فورية للأسر الفقيرة.