دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى ضرورة تكاتف الجميع والعمل ضمن فريق واحد لتحقيق الاهداف الطموحة لـ» الخطة الاقتصادية الوطنية» التي ستنعكس نتائجها على مختلف المسائل الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تشكل هاجسا دائما للمجتمع اللبناني. واعتبر ان الخطة تساهم في وضع رؤية متكاملة ومتناسقة بين مختلف القطاعات الانتاجية الحيوية في البلاد، للمضي قدما في تنمية وتطوير الاقتصاد اللبناني بشكل مستدام، ومواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين والمناخات الاقتصادية المتغيرة اقليميا وعالميا.
وثمّن الرئيس عون جهود الجهات التي اسهمت في تطوير الدراسة من القطاعين العام والخاص والخبراء الاقتصاديين والاكاديميين، لافتا الى قدرة لبنان ممثلا بقطاعاته الاقتصادية وطاقاته الشابة، على ايجاد بيئة اعمال جاذبة للاستثمارات الخارجية المباشرة، وعلى تفعيل قطاعات انتاجية تنافسية قادرة على تعزيز مؤشرات الاداء الاقتصادي، لاسيما وان الدراسة وصّفت الحال والتحديات الاقتصادية وفقا للواقع الراهن ووضعت الاولويات في سياقها السليم، وطرحت تشكيل آليات لتنفيذ الخطة ومراقبة مؤشرات الاداء الاقتصادي ومتابعتها.
وكان الرئيس عون ترأس امس اجتماعا اطّلع خلاله على الخطوط العريضة لــ « الخطة الاقتصادية الوطنية» التي وصلت الى مراحلها المتقدمة من وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري واعضاء الفريق الاستشاري العالمي» ماكنزي اند كومباني» الذي اعد الدراسة. وحضر الاجتماع وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، والمستشارة الرئاسية السيدة ميراي عون هاشم، ومستشار رئيس الجمهورية للعلاقات مع دول الخليج الدكتور فادي عسلي، ومستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية الدكتور نديم المنلا.
وعرض خوري واعضاء الفريق الملامح الرئيسية للدراسة التي ترمي الى تفعيل سائر القطاعات الانتاجية على مستوى الجمهورية اللبنانية ضمن آلية اقتصادية تكاملية، ولفت الوزير الى ان الدراسة ستعرض على الرئيس سعد الحريري تمهيدا لعرضها والتصديق عليها من قبل الحكومة المرتقبة فور تشكيلها.
واوضح ان الجهة المكلفة بتطوير الدراسة، وهي شركة الاستشارات العالمية» ماكنزي آند كومباني» حرصت على العمل بشكل مكثف ووثيق مع ممثلي القطاعين العام والخاص والمجتمع الاكاديمي والخبراء الاقتصاديين اللبنانيين لاستقراء تجاربهم في مجالات عملهم ونظرتهم لسبل تحقيق التنمية المستدامة والتنافسية المنشودة للقطاعات الاقتصادية الانتاجية والحيوية والواعدة في لبنان. وستستمر في المرحلة المقبلة ورش وجلسات المراجعة مع المزيد من الخبراء والمعنيين، لوضع اللمسات الاخيرة على الدراسة للوصول الى الصيغة النهائية للخطة الاقتصادية التي تحمل رؤية متكاملة للاقتصاد اللبناني وسبل تطوير طاقاته الانتاجية.
واتّبعت الدراسة منهجية تستند الى التواصل مع كافة الشركاء المحليين المعنيين بالاقتصاد اللبناني للاستفادة من خبراتهم وتصوراتهم للحلول والممارسات الاقتصادية الناجعة، كما تتضمن تقييما حول مؤشرات الاقتصاد الكلي والميزان التجاري وتوصيفا دقيقا لواقع الاقتصاد اللبناني. وتبحث الدراسة بشكل معمق في تحديات وامكانات قطاعات منتجة رئيسية هي الموارد الطبيعية والزراعة والصناعة والسياحة واقتصاديات المعرفة والخدمات المالية والتعليم والرعاية الصحية وقطاع العقارات والانشاءات والتجزئة والتجارة واللوجستيات والنقل والاتصالات والكهرباء والماء ودور المغتربين في تعزيز الاداء الاقتصادي، وكذلك فاعلية التخطيط المدني.
وتتطرق الدراسة الى التطلعات الاقتصادية اللبنانية وسبل تحقيقها من خلال اتباع افضل الممارسات العالمية من الناحيتين التشريعية والتمويلية للوصول الى بيئة اقتصادية مرنة وقادرة على استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة واطلاق العنان للقطاعات الانتاجية الواعدة والمستدامة، وتستدرك قدرات لبنان التنافسية ضمن محيطه الاقليمي والواقع والمتغيرات الاقتصادية العالمية.
وطورت الدراسة منهجية مؤسسية وآليات حوكمة مفصّلة لدعم وتمكين تنفيذ التوصيات المنبثقة عن الرؤية الاقتصادية التي تتضمنها بالاضافة الى المتابعة والرقابة وقياس مؤشرات الاداء. كما حرص فريق الرؤية الاقتصادية على ان تشمل الدراسة توصيات حول مشاريع محورية وملحة من شأنها تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني واطلاقها في القريب العاجل، ومن المرتقب اطلاق الدراسة بحلتها النهائية بمجرد التصديق عليها من قبل الحكومة المقبلة وذلك لبدء تطبيق منهجية عمل متكاملة للقطاعين العام والخاص تراعي التناغم بين سائر القطاعات الاقتصادية.
وبعد اللقاء عقد الوزير خوري ندوة صحافية قال فيها: «كنّا حرصاء على توصيف الحالة الحالية والتحديات الاقتصادية الراهنة، كما تبحث الدراسة بشكل معمّق في القطاعات الانتاجية الاكثر تأثيرا على خلق فرص العمل، ومنها على سبيل المثال: 1- في الزراعة: رفع انتاجية صغار المزارعين للمحاصيل الحالية من خلال اعتماد التكنولوجيا والاساليب الزراعية الحديثة وتغيير انواع البذور، الاستفادة من الامكانات التصديرية للمزارعين التجارييّن من خلال تحسين معايير الجودة والانتقال الى المحاصيل ذات القيمة الاعلى.
2- في الصناعة: تركيز الجهود على اربعة قطاعات صناعية ذات اولوية: تصنيع الاغذية والمنتجات التي تعتمد على قدرات التسويق على غرار العطور ومستخدمات التجميل وغيرها…، قطاع الادوية، وانظمة البناء الحديثة(اي الابنية المسبقة الصنع)، انشاء 4 مجمّعات صناعية تتوفر فيها امكانات التنافس على المستوى الاقليمي من بنى تحتية وخدمات مساندة.
3- في القطاع السياحي: التحول الى الفكر الاستراتيجي في هذا القطاع، والتركيز على زيادة عدد الزوار من 16 دولة محددة في اوروبا وغيرها من البلدان العربية، وتلك التي يوجد فيها عدد كبير من المنتشرين اللبنانيين، تعزيز وتطوير الخدمات السياحية في 3 مراكز سياحية اساسية في لبنان يتم تحديدها لاحقا، التركيز على السياحة الترفيهية، تطوير السياحة المتخصصة في مجالات السياحة البيئية والاستشفائية.
4- في الخدمات المالية: تطوير القنوات الرقمية في القطاع المصرفي لنمو القطاع وتوفير البدائل-العملاء، تطوير قطاع الخدمات المالية وترسيخه من اجل تمكين وتمويل برامج التنمية الاقتصادية الوطنية، تحويل لبنان الى وجهة رئيسية لادارة الاستثمارات والخدمات المصرفية «الاوف-شورينغ»، من خلال استهداف العملاء ذوي الارصدة المالية الضخمة، انشاء مراكز متخصصة في مجالات محددة مثل بحوث الاسهم والدراسات وغيرها.
5- في اقتصاد المعرفة والابداع: الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز الانتاجية في القطاعات ذات الاولوية ليصبح الاقتصاد قائما على الابتكار، الارتقاء بلبنان الى وجهة اقليمية رائدة تقدم خدمات التعاقد الخارجي (out sourcing) بقيمة عالية ليصبح مركزا عالميا للابحاث والتحاليل، التحول الى مركز ابداع اقليمي بما في ذلك الاعلام وانتاج المحتوى، وجذب الطلاب الاقليميين من مختلف الاختصاصات.
6- بالنسبة الى اللبنانيين المنتشرين: تقويم الرابط بين لبنان ومنتشريه من كافة الاجيال لكي يساهموا بشكل اكبر في نمو الاقتصاد، الافادة من علاقات اصحاب المواهب في المهجر وخبراتهم وتأثيرهم، توجيه وتشجيع التدفقات المالية للمنتشرين الى الاستثمارات المنتجة في لبنان».
واضاف: «لقد حرصنا ايضا على ان تشمل الدراسة توصيات حول مشاريع محورية وملّحة من شأنها تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني على المدى القصير، مثلا:
1- تصميم رحلة السائح من الالف الى الياء مع الاستفادة من تجربة المطار وغيره، 2- دخول محصولين او اربعة الى الاسواق وصادرات جديدة، والاحتفال الوطني بالذكرى المئوية لقيام دولة لبنان 2020، 3- انشاء منطقة لتكنولوجيا البناء بالقرب من الحدود السورية للاستفادة من فرص اعادة اعمار سوريا والعراق التي تتراوح قيمتها من 100 الى 300 مليار دولار، وتوفير السكن لملايين اللاجئين العائدين، 4- انشاء مشروع رئيسي يعبّر عن الرؤية، وهو اقتصاد المعرفة ومراكز مناطق اقتصادية حرة للتكنولوجيا وغيرها من شركات الابداع».
وتابع: «بعد عرض الدراسة على فخامة الرئيس سيتم في القريب العاجل عرضها على الرئيس الحريري تمهيدا لعرضها والمصادقة عليها من قبل الحكومة العتيدة».
وعما إذا كان تقييم شركة «ماكنزي» سلبياً في ما خص الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، قال خوري: «لم يكن سلبياً او ايجابياً، فهناك وضع صعب نعيشه اليوم اوجب اللجوء الى هذه الخطة الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل».