قلق المواطن اللبناني الطيب على وطنه من حالة الإنهيار والذوبان، في هذه الظروف الدقيقة والحرجة هو علامة صحة وطنية ويقظة ووفاء وإخلاص لهذا الوطن الذي يعذّبه المتصارعون على حكمه من الداخل وهم “مقاطعجية” هذا الزمن، من دون رحمة أو شفقة المهم عندهم “الغالب والمغلوب” وليس القاعدة اللبنانية الدائمة “لا غالب ولا مغلوب”!
وكأنّ كل الآثار التي تسبّب فيها زلزال “التفجير الجهنمي” على كافة الصعد الانسانية -وما أقساها وأفظعها شقاء وبؤساً وحرقة قلب- والمادية حوالى ١٥ مليار دولار تكلفة إعادة إعمار ما تهدّم، ولا يدخل في هذه التكلفة التعويض على أرواح الضحايا، لأنّ هذه الأرواح لا تعوّض..
إلاّ ان هذا كله في نظر، وفي الحسابات الخاصة، لمن هم في “السلطة” الآن ويدّعون “انهم هم لبنان، ولبنان هم” -(وكأن الوطن عندهم هو “شركة” الشخص الواحد مساهمة خاصة”، ولا تحوّل الى شركة مساهمة عامة إلاّ إذا صدر قرار خاص من مالك الشركة أو من يقوم مقامه)-.
وكأنّ ما حدث في ٢٠٢٠/٨/٤ من “تفجير جهنمي” هو “فشفيشة” بمناسبة “العيد المئوي الاول” لـ”لبنان الكبير” الذي تأسّس في ١٩٢٠/٨/٣١ بقرار دولي..
وكأن ضحايا هذا التفجير هم “برغش” و”بعوض”!! وليسوا من العنصر الانساني..!!
وهذا ليس تشاؤماً، وإنما هو واقع الحال المتردّي، لمن أراد أن يتأمله بشجاعة وموضوعية خصةصًا ممن هم في “السلطة” الآن لو يعودون الى التاريخ -إذا كانوا لا يقرأون بآذانهم فقط-، وتحديداً الى “التاريخ الروماني” ليقرأون ما قاله الفيلسوف الروماني “لوكيوس سينيكا” (٤ ق.م- ٦٥م) الذي كان يحارب الانفعالات ويدعو الى “لغة العقل المتزن”، لأن “الرجل الحكيم” بحسب فلسفته هو الذي يسمو على انفعالاته.
وهو كان معلماً لـ”نيرون” (٣٧/١٢/١٥م- ٦٦/٦/٩م)، ولكن حين شذّ “نيرون” وحرق روما (١٠ أحياء في ٦ أيام ما بين ١٨ و٦٤/٧/٢٣م) ترك “نيرون” “سينيكا” يقتل نفسه قبل أن يقتله هو..
ويا ليت هؤلاء “اللاعبين” بمصير “ما تبقى من دولة لبنان الكبير” يتذكرون ما قاله هذا الفيلسوف قبل أن يحرقوا “ما تبقى من لبنان” بعد حرق ثلث عاصمة “بيروت التاريخ أم الشرائع” في تفجير ٢٠٢٠/٨/٤ الجهنمي، كما حرق “نيرون” روما وهو يتفرّج عليها من برج عالٍ شيّده خصيصاً ليراقب حرق روما..!
قال “سينيكا”: “إذا أكرهك القدر على أن تتخلى عن مركزك المتقدم في الدولة، فعليك أن تثبت، وأن تساعد بلادك بالقول. وإذا لم تستطع فعليك أن تساعدها بالصمت”.
وأضاف: “فالخدمات التي بمقدور المواطن الصالح أن يقدمها لوطنه لا تذهب عبثاً.. إذ أن السماع له، أو النظر إليه، أو تأمل هيئته وحركاته وثباته، وحتى طريقة مشيه.. يساعد بها وطنه”..
مهما يكن من أمر لا يزال “اللاعبون” في السلطة يدفعون بـ”الوضع الراهن” الى مزيد من الافلاس الاقتصادي، وإلى الفراغ السياسي، وإلى “لعبة الشارع الخطرة” التي أطاحت بـ”انفرادية لبنان” وهي “رسالته الحضارية” ابان “الحرب القذرة” ما بين ١٩٧٥ و١٩٨٩، والتي استردها له “إتفاق الطائف” الذي يريدون إسقاطه الآن!. والذي كرّس في “دستور ١٩٩٠” والذي يريدون تمزيقه أيضاً!!؟
حمى الله تعالى “لبنان الرسالة” مما أصاب ” “روما” ما بين (٦٤/٧/١٨م و٦٤/٧/٢٣م)، ممن قال: “أنا الامبراطورية الرومانية.. والامبراطورية الرومانية أنا”.. أو “أنا الدولة والدولة أنا” التي تنسب الى “لويس الرابع عشر” الذي حكم فرنسا ٥٤ سنة ما بين ١٦٦١ و١٧١٥…
يحيى أحمد الكعكي