اليوم هو ١٤ تموز/ يوليو ٢٠٢٠، أو “الذكرى ٢٣١” لـ”الثورة الفرنسية الكبرى” التي حدثت في مثل هذا اليوم في ١٧٨٩، وهي التي يمكننا أن نؤرخ بقيامها بدء تاريخ القرن التاسع عشر في “أوروبا”، والذي يستمر قرناً وربع القرن، أي الى نشوب “الحرب العالمية الأولى” ١٩١٣/٦/٢٨.
ففي مثل هذا اليوم هاجم الباريسيون “سجن الباستيد” (انشاء بين ١٣٧٠- ١٣٨٣، كان اسمه الاصلي “الباستيل” اي “الحصن” للدفاع عن باريس من ناحية الشرق، وكان له قومندان “آمر الحصن” أو “الضابط” رئيس حاميته يُدعى “كابتن الباستد”، ثم تحوّل الى سجن منذ ١٤٢٨) وكان رمزاً لـ”الطغيان” ولـ”التعذيب” ولـ”ظلم الحكم المطلق”.
وسجن فيه حتى ١٧٨٩ حوالى ٦٠٠٠ سجين منذ عهد “لويس الرابع عشر”، و”لويس الخامس عشر” صاحب مقولة “أنا الدولة والدولة أنا”، و”لويس السادس عشر” الذي قامت “الثورة الفرنسية الكبرى” في عهده، حيث انطلقت منه شرارتها الاول، للحصول على القمح الذي كان يخزّن فيه، والسلاح.
ولا تزال فرنسا منذ سنة ١٨٨٠ تحتفل بيوم اقتحام “الباستيل” في ١٧٨٩/٧/١٤، باعتباره “اليوم الوطني” لفرنسا -أو “العيد الوطني” Fête Nationale-.
وتعتبر “الثورة الفرنسية الكبرى” ثورة البرجوازيين الذين ساروا على نهج فلاسفة فكريين فرنسيين تنويريين، أمثال “ڤولتير” (١٦٩٤- ١٧٧٨) الذي كان يدعو الى إقامة نظام ملكي مستنير في فرنسا على غرار بريطانيا، و”مونتسكيو” (١٦٩٨- ١٧٥٥)، الذي انتقد مساوئ الحكم الإستبدادي المطلق في كتابه “روح القوانين” الذي أكد فيه على أن “الحكومة الديموقراطية” أساسها الاول هو “الإستقامة” في “حب القوانين والوطن”، ويعتبر “إمام -المذهب الحر” Liberalism-.
و”جان جاك روسي” (١٧١٢- ١٧٧٨) صاحب كتاب “العقد الاجتماعي”، والذي اكد فيه أنّ الانسان يولد مع حقوقه، وهو كان الممهّد لـ”المبدأ القومي”، حيث مثل اكتمال ونمو “الدولة الوطنية” التي كانت نتاج الحركات القومية في أوروبا، الحدث البارز في تاريخ القرن التاسع عشر الاوروبي، الذي كان من آثار “الثورة الفرنسية الكبرى”، وحروب “نابليون بونابرت” فيها..
تعتبر “الثورة الفرنسية الكبرى” فترة تحوّلات سياسية واجتماعية كبرى في التاريخين الفرنسي والأوروبي، وبالرغم أنّ “الثورة الاميركية” (١٧٧٤- ١٧٧٦) والتي حرّرت “الولايات الأميركية الثلاثة عشر” من الاستعمار البريطاني، وكانت تردداً لأفكار “مونتسكيو” و”روسو” سبقتها زمنيًا، إلاّ ان “الثورة الفرنسية الكبرى” هي التي بقيت متعلقة بالأذهان منذ “٢٣١ عاماً”، وهي لا تزال “المدرسة التي تخرج منها” دعاة ثورات “الحرية والعدالة والمساواة” في العالم كله.
صحيح انها “ثورة الخبز”، و”الثورة على الفقر والظلم”، ولكن لولا “العقول المستنيرة” -الفلاسفة الفكريون” وفي مقدمهم “ڤولتير” و”مونتسكيو” و”روسو”، والذين قادوا “النهضة الاوروبية الثانية” في أوروبا (الاولى كانت في أواخر القرن الخامس عشر) لما نجحت “الثورة” وبقيت حتى في الفترة ما بين ((١٧٩٣/٩/٥ و١٩٧٤/٧/٢٨).
وهي الفترة التي يُطلق عليها “اللحظة العصيبة التي التهمت فيها أبناءها، بالرعب الثوري، والذي يُسمّى بـ”الارهاب” -terrorism- والذي قاده “روبسبيير” الذي كان يعشق سياسياً “مونتسكيو”، ضد “الثورة المضادة” من تكتلات “النظام القديم” وقضت هذه اللحظة عليهم وبقيت “الثورة الكبرى”، والتي اصبح شعارها كما صاغه “روبسبيير” في خطاب له في ١٧٩٤/٢/٥ “حرية”.. عدالة.. إخاء” وحذف منها الكلمة الرابعة أو “الموت”.
وباختصار، فإنّ “الإرث الثوري” لـ”الثورة الفرنسية الكبرى” ١٧٨٩/٧/١٤، هي انها وقعت في قلب العالم القديم والمعاصر، وكانت نتائجها ليس في فرنسا وأوروبا فقط، بل في العالم كله -وفيه الشرق الأوسط، حيث كانت من أيقظ هي “القومية العربية” من سباتها انطلاقاً من مصر مع نابليون بونابرت ١٧٩٨- ١٧٩٩.
و يُلخص إرثها الثوري في خاصيتين هما:
١- أنها كانت إبنة الحماسة تُلهب صراعاتها في سبيل الحرية والاستقلال، وبحلمها عن “الحرية و الأخوة”..العقول بفلسفتها “التنويرية”
٢- انها كانت ابنة النور، اسقطت هجمات الإقطاع والإمتيازات، وسحرت العقول بجهدها العظيم في سبيل تنظيم المجتمع على أسس عقلية..
لذلك، ومع كونها موضوع إعجاب دائم، وموضوع خوف دائم، ستستمر حيّة ابداً في وجدان الرجال الرجال…
يحيى أحمد الكعكي