ما حدث مساء السبت الأسود 2020/6/6 في شوارع بيروت كان أسهل وسيلة ممنهجة لاغتيال «الحراك المدني» الذي كان غاية هذه الوسيلة، عملاً بمقولة «الغاية تبرّر الوسيلة»، للسياسي الايطالي «نيكولو ميكيافلي» (1469/ 1527) التي ضمنها كتابه «الأمير»، وهو كتيب صغير نُشر في سنة 1532..
لأن هذا «الحراك المدني» -الذي حتى الآن ليس له «قيادة سياسية» موحّدة- استطاع كسر حاجز «الخوف الطائفي»، هذا الحاجز الذي يتبع من قبل «أمراء الطوائف» أسلوب «الصدمة والرعب» أو -»التخويف والقمع» للإبقاء على “وجوده”..!
فما حدث مساء السبت الأسود 2020/6/6 كان محاولة اغتيال «الحراك المدني» بأسلوب «الصدمة والرعب»، لتحقيق الإجهاز عليه لأنه أصبح يمثل مصدر قلق وجودي لهؤلاء الأمراء، بعد أن عجزوا طيلة الأشهر السبعة الماضية من الالتفاف عليه أو احتوائه سياسياً..
وكل ما يُطرح اليوم من هنا وهناك لـ»لملمة» ما حدث بـ»قمم دينية وروحية»، أو سياسية، ليس إلاّ عملة زائفة وأوراق محروقة، لأنّ «من جرّب المجرّب كان عقله مخرب» كما يقول المثل الشعبي.
الحل الأمثل لما حصل -وقد يتكرر بالرغم من القمم الدينية والروحية والسياسية- بسبب الإدعاء الدائم الذي هو غُب الطلب «العناصر غير المنضبطة» -وهي في حقيقة أمرها منضبطة أشد الانضباط لأمر هذا الزعيم أو ذاك.
وفي هذا السياق، أذكّر بما قاله «ضمير لبنان» وهو «العميد ريمون إدّه» -عميد «الكتلة الوطنية»- التي اغتيلت سياسياً لأنّ عميدها رفض المشاركة في «الحرب القذرة» في بدايتها 1975، فحاولوا اغتياله 1976، وفي 1977 غادر لبنان الى «القاهرة» ومنها الى «باريس» حيث توفي فيها في 2000/5/10، ولقد شاء القدر أن يُولد خارج وطنه في 1915/3/15 في الاسكندرية بمصر؛ كما شاء القدر أن لا يشهد انسحاب قوات العدو الاسرائيلي من الجنوب اللبناني، وهو الذي ناضل كثيراً لتحقيقه.
أعود لأذكر بما قاله «العميد ريمون إده» عن العلاقة بين «الزعيم» ومؤيديه، قائلاً: «المشكلة هي في هذا الشعب اللبناني العريق في حضارته، والذكي والنشيط في عمله، وكيف -ما بتزته بيجي واقف-، إلاّ بالسياسة كيف -ما بتزته بيجي مبطوح على بطنه- أمام الزعيم، وهذا الزعيم أيضاً مبطوح وزاحف على بطنه أمام معلمه، و غالبًا ما يكون عدوًا للبنان»..
الحل الأمثل إذاً لما يمر به اليوم «لبنان الذي كان» هو تشكيل «حكومة إنقاذ حقيقية» لا صورية، قوية وقادرة على الإمساك بالأمور بـ»يد من حديد»، لإعادة بناء «الدولة الوطنية المدنية اللبنانية» أو «دولة القانون» والتي تكون هي فقط صاحبة «قرارها النهائي» دون أن تشاركها أي قوى فعلية تفتقر الى الشرعية.
من يكسب الرهان بعد السبت الأسود 2020/6/6؟ دولة القانون؟ أم «دول الطوائف الحالية» أم فدرلة لبنان كما كان ذلك مطروحًا في ١٩٧٦/١٩٧٥؟ أم تقسيم لبنان الى 4 دويلات على الأقل كما كان ذلك مطروحاً في تشرين الأول 1975؟
هذا وكان «العميد إده» في 1975/12/6 قد أكد في حديث لإذاعة «مونت كارلو» -من لبنان- على «أنّ الولايات المتحدة والاتحاد السوڤياتي (ورثته «روسيا الاتحادية») موافقان على هذه الخطة التي تنفّذ -أي التقسيم- والتي سيكون من نتيجتها ظهور: دولة مسيحية ودولة شيعية ودولة درزية ودولة سنية»؟ أسماها كانتونات طائفية، يعني «دول الطوائف الدينية» الصغيرة؟ وهي جزء من «الشرق الأوسط الجديد» بسبب السيناريوهات السياسية المطروحة ل”صورة الشرق الأوسط، منذ ٢٠١١ حيث كل الأقطار العربية مقسّمة فيه الى «دول صغيرة تدور في فلك «دولتان» حتى الآن هما كيان «العدو الاسرائيلي» و»تركيا» و من الممكن “إيران”..
كثيرة هي الإحتمالات والتي يصدّق فيها قول الرئيس الراحل «الياس سركيس» (1976- 1982) بأنه: «لا دولة حيث الشرعية مفتقرة الى القوة، ولا دولة حيث تقوم قوى فعلية تفتقر الى الشرعية»..!؟
يحيى أحمد الكعكي