بداية ونحن نعيش ذكرى مرور ٧٢ عاما على القرار ١٨١ لتقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٧، التي صادفت امس لا بد من القول ان شعبنا الذي اقتلع من وطنه قسرا وشتت في مختلف اصقاع الأرض ورغم كل ما تعرض له من مجازر صهيونية وتآمر استعماري وما عاشه من معاناة بقي صامدا مناضلا مصرا على انتزاع حقوقه المشروعة في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعودة لاجئيه.
هذا الصمود الأسطوري وهذا النضال الذي عُمِّد بدماء قوافل الشهداء والجرحى وعذابات الأسرى في مواجهة شراسة العدوان الاستعماري الصهيوني، يظل مدعاة للفخر ومبعثا للأمل والتفاؤل بحتمية الانتصار، دون ان تغيب عن أذهاننا مقومات هزيمة هذا الاحتلال وفي مقدمتها الوحدة ومن اهم ادواتها الثورة الشعبية السلمية التي يمكنها ان توصل صوت فلسطين الواحد الموحد مدويا الى كل عواصم العالم وحافزا لتحرك كل انصار الحرية والعدل في العالم لدعم شعبنا والضغط على هذا الاحتلال.
ومما لا شك فيه ان هذا الصمود امام ممارسات الاحتلال والنضال ضده وضد مستعمريه مع ما يرافقه من نضال سياسي ودبلوماسي وشعبي اسهم ولا يزال في مراكمة مزيد من الانجازات لصالح شعبنا وقضيته . ومن ابسط الامثلة ما حدث في الحادي عشر من الشهر الجاري عندما دعت جامعة هارفارد داني دانون، ممثل اسرائيل في الامم المتحدة، لإلقاء محاضرة حول ما سمي “شرعية المستعمرات الاسرائيلية” في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وكانت المفاجاة صاعقة لهذا الصهيوني الأعمى اخلاقيا، اذ قام طلبة هارفارد العريقة بمغادرة القاعة عندما هم بإلقاء خطابه رافعين شعارات منددة بالاحتلال وممارساته.
كما ان مائة وخمسة وثلاثين عضوا من أعضاء الكونغرس الأميركي ارسلوا رسالة الى وزارة الخارجية الامريكية ينتقدون فيها تصريح وزير الخارجية، مايك بومبيو، حول شرعنة المستعمرات في الاراضي المحتلة. ويأتي ضمن هذا الإطار قرار المحكمة العليا الاوروبية التي قضت هذا الشهر بضرورة وسم منتجات المستعمرات وكذا سلسلة المقاطعات العالمية الأكاديمية والعلمية لإسرائيل وغيرها من مظاهر التضامن مع الشعب الفلسطيني ومناهضة سياسات الاحتلال.
وقد جاءت الصفعة القوية من مجلس الامن الذي رفض كافة اعضائه باستثناء الولايات المتحدة موقف واشنطن الجديد من الاستيطان وسياستها العمياء الموالية للاحتلال الإسرائيلي.
كما ان بعض الدول العربية وأهمها السعودية والأردن وتونس اضافة للجامعة العربية رفضت بشدة هذه التصريحات الأميركية الداعمة لدولة الاحتلال الوحيد الذي بقي في العالم والذي يمارس احتلالا غير شرعي وتمييزا عنصريا ويرتكب مع مستعمريه جرائم متواصلة ضد الشعب الفلسطيني
لا بد هنا ان نذكر بان غباء السياسة الامريكية بقيادة ترامب الداعم للصهيونية والاحتلال، قد افاد قضيتنا دون قصد بأن حشد مجددا الدعم العالمي لشعبنا وقضيته، وهو ما يوجب علينا سلطة ومنظمة تحرير تعزيز هذا الحشد الدولي ودعم جميع الانشطة والفعاليات التي تؤدي لتعرية هذا الاحتلال .
ومن الواضح ان العالم اجمع بما فيه جزء من يهود امريكا والنخبة الامريكية المتعلمة يرفض هذه السياسات من الحكومات الامريكية المتعاقبة وآخرها حكومة ترامب التي اصبحت الان في عزلة عالمية لا يستهان بها، وهذه فرصة ثمينة لدى البعثة الفلسطينية في الامم المتحدة بقيادة الاخ رياض منصور، وبدعم لا محدود من السلطة الفلسطينية ان تقوم بدورها الفعال لدى المجتمع الامريكي الذي بات يعي خطورة ما تقوم به الادارة الأمريكية الحالية والمناقض للقوانين والقرارات الدولية التي وقعت عليها امريكا واسرائيل.
ولكن على جميع قياداتنا وزعاماتنا بان تعي بان اي قيادة امريكية قادمة لا تستطيع ان تعيد بين عشية وضحاها عقارب الساعة الى الوراء ومحو ما اقرته سياسة ترامب من الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لاسرائيل او الغاء شرعنة المستعمرات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة، او الاعتراف الاميركي بسيادة اسرائيل على الجولان المحتل.
صحيح القول ان لدينا دعما اوروبيا وروسيا وصينيا وعالميا بالاجمال، ولكن امريكا بالذات لا تحترم الا القوي ، كما ان اسرائيل لا تخاف الا من الشعب الفلسطيني فقط اذا توحد ولديه استعداد للمزيد من التضحية. ولهذا تتجلى اهمية انطلاق ثورة شعبية سلمية عارمة، بدعم كل القوى والفصائل والقيادة. وها هي الثورة الشعبية السلمية في لبنان تشكل نموذجا رغم ان للواقع الفلسطيني خصوصيته، ولكن ما يجري في لبنان يؤكد ماذا يعني ان يتحد الشعب حول هدف واحد ويناضل في مظاهرات شعبية من جميع المكونات، وهذا هو المطلوب فلسطينيا، وحدة وثورة شعبية سلمية متواصلة بمشاركة الجميع ولا تتوقف الا بانتزاع حقوقنا الوطنية.
صحيح ان اسرائيل قد تلجأ الى ابشع اساليب القمع الوحشية من قتل واعتقالات وعقوبات جماعية … الخ ولكن الحرية لها ثمن غال، خصوصاً ان السياسة الامريكية تحول دون تنفيذ قرارات المجتمع الدولي ولم تعد للقرارات الاممية اي قيمة عملية حيث ضرب الاحتلال واميركا هذه القرارات عرض الحائط.
الحل واحد فقط وهو بيد كل ابناء الشعب الفلسطيني وزعمائه، وعندها فقط يمكن ان يستمع العالم ويلتفت لفلسطين ولنضال شعبها ولصوتها الواحد.
ومع شديد الاسف اذا بقي هذا الانقسام المخزي فان السلطة الشرعية الفلسطينية لا تستطيع تغيير هذا الواقع كما لن يستطيع اي فصيل تغيير الواقع.ولهذا لا بد من انتفاضة شعبية سلمية تجبر المحتل على تغيير سياساته العنصرية وتجبر اميركا على اعادة النظر في مواقفها.
ولا بد هنا ان نشير الى تلك الوحدة التي تجلت بالتنديد بهذا الاحتلال اثر استشهاد الأسير المناضل سامي ابو دياك رحمه الله ، الذي بات رمزا تفتخر به جميع اطياف الشعب الفلسطيني. ويجب ان يشكل استشهاده حافزا لانقاذ باقي المرضى وكافة الاسرى، بوحدة جميع مكونات شعبنا وهي الوحدة التي تستطيع هز الضمير العالمي.
ويبقى ان يعي اخواننا في حماس والجهاد وكافة الفصائل ان لا مناص من انهاء الانقسام ولا مناص من ان يكون قرار الحرب او السلم بيد قيادة واحدة شرعية يفرزها صندوق الاقتراع. ولن يؤدي استمرار الانقسام سوى الى استفراد الاحتلال بهذا الطرف او ذاك والحاق الضرر والخسائر البشرية والمادية بقطاع غزة والضفة وبقضيتنا عموما، واعطاء فرصة للمحتل بالتظاهر انه الضحية وان الصواريخ تنهمر على مدنييه، رغم انها لم تلحق ضررا جوهريا في صفوفه.
ان الخطابات الرنانة التي كنا نسمعها من صوت احمد سعيد قد انتهى عهدها، ولكن مع الاسف مازال بعض الزعماء يرددونها مما يدل على انهم مازالوا يعيشون في ظل جهل سياسي ، والمستفيد الاول هو المحتل الاسرائيلي، وهو ما لا يفيد قضيتنا المقدسة، بل ان الاخلاص للوطن والمواطن والوفاء لقوافل الشهداء والجرحى والاسرى يكون بالوحدة وبدعم اجراء انتخابات شفافة ليقول الشعب الفلسطيني كلمته وليستعيد ديمقراطيته التي فقدها منذ اثني عشر عاما… وليكون ذلك مقدمة لاستراتيجية مواجهة التحديات الماثلة ومقدمة لهذه الانتفاضة الشعبية السلمية، التي تشكل الحل الوحيد المتوفر لدينا اليوم… والله المستعان.