في عام ١٩٤٥ وفي حديثه للأميركيين أكد الرئيس الأميركي انذاك «هاري ترومان» – الذي كان قد استلم السلطة في ١٢-٤-١٩٤٥ – إذا أردتم أن تعرفوا مصير الحرب العالمية الثانية، وماذا قدّمت قواتكم في النصر على جبهاتها عليكم أن تملكوا خريطة للعالم وتتبعوا أحداث النصر الآن..!!
وقياساً على هذا القول أشير الى أنه إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في «شمالي سوريا» بعد «التدخل العسكري التركي» أولاً في «جرابلس» ثم في «عفرين» ثم في «منبج» وصولاً الى «الباب»..!
علينا أن يكون لدينا خريطة لـ«الوطن السوري» او «الدولة الوطنية السورية»، التي وضع دستورها ١٩٢٨ الأربعة الكبار وهم المناضل الكبير «ابراهيم هنانو» ابن حلب، و»هاشم الأتاسي» و»فوزي الغزي»، و»فارس خوري»، والذي ضم ١١٥ مادة، ونصّ على «أن سوريا وحدة لا تتجزأ، وأن شكل الحكم فيها جموري برلماني»..
وهذا ما لم يرضِ «الانتداب الفرنسي».. فاقتطع بقوة الاحتلال «لواء الإسكندرون» عن «حلب» في «الشمال السوري»، وقدمه هدية لـ»تركيا» في ٢٩-١١-١٩٣٨، والذي أطلق عليه «الأتراك» إسم «هاتاي»..!! وبقيت عينهم على كل «شمال سوريا»..
من هنا نقرأ تسارع وتيرة الأحداث الجارية الآن في «الشمال السوري» بعد إعادة التدخل العسكري التركي فيه، بعد استرداد «الجيش السوري» لـ«حلب الشهباء».. وبعد «التدخل العسكري التركي الأول» في «جرابلس» التي تقع على بعد ١٢٥ كلم شمال شرق حلب.
والسؤال «لماذا الشمال سوري» بالذات له كل هذه «الأهمية الجيو – سياسية» في تغيير موازين القوى، إن على أرض المعركة؟ او على «الشأن السياسي العام» في «سوريا»، و«المنطقة».
إنها منذ ٢٠١٢ تحوّلت الى «معركة فاصلة» وقتال مفتوح بين قوى عديدة ليس في سوريا فقط، بل في المنطقة من حولها «لتشكل منذ ذلك التاريخ وحتى الآن أهم منطقة «جيو-سياسية» استراتيجية في تحركات الصراع الدائر الآن في سوريا..
فهي «نقطة صراع استراتيجي» هام بين «سوريا وتركيا التي قدم لها الانتداب الفرنسي في ٢٩-١١-١٩٣٨ «لواء الاسكندرون» بعدما اقتطع عن «حلب» عن «الجسد السوري»، حيث أصبحت الحدود بين الدولتين برياً الى ٨٢٢ كلم.
وقد شكل هذا الشريط الحدودي منفذاً استراتيجياً لتدفق آلاف «الإرهابيين» من تركيا الى شمالي سورية، كما كان منفذاً هاماً لوصول الدعم اللوجستي من الامدادات والسلاح الى هؤلاء الإرهابيين – قبل التدخل الروسي -.
خصوصاً بعد سقوط معظم المعابر علي هذا الشريط بيد هؤلاء المسلحين، مما جعل من «حلب» – نقطة الإرتكاز في الشمال السوري – و»الموقع الإستراتيجي الأهم» لـ«تركيا»، وحلفائها السياسيين؟
تركيا أكدت بعد معركة «جرابلس» أن ما يهمها من «شمال سوريا هو عدم احتلاله من الإرهابيين الأكراد! أي مقاتلي «حزب الاتحاد – الديموقراطي الكردي».
فهو عقدة المواصلات (كان) في توريد السلاح والمسلحين نحو «الداخل السوري» لتفكيك سوريا خصوصاً نحو محور «إدلب» – «حماه»، لأن «إدلب» هي المنفذ الوحيد للميليشيات المسلحة في حال قطع طريق الإمدادات من «حلب» اذا سيطر عليها الجيش السوري مرة أخرى، وهذا ما تم فعلاً..
كما أن «شمال سوريا» منطقة استراتيجية هامة لتركيا، وكانت تركيا منذ عدة سنوات تريد فرض «منطقة عازلة» في «شمالي سوريا» وغايتها هو تقطع أوصال «الحزام الكردي» وليس لمكافحة «الإرهاب المعولم» – أي داعش وأخواتها.
ويومها رفض «الاتحاد الأوروبي» هذا «المقترح» وأسقطه، وهو الذي يُعاد درسه الآن بين الثلاثي «واشنطن – أنقرا – موسكو»!!
ولأن سقوط «الشمال السوري» بعد «حلب» بيد «الجيش السوري» هو سقوط ما يُسمى «المعارضة السورية المعتدلة» التي تدعمها «واشنطن» و»تركيا»، وهو يعني «خسارة» تركيا «حصتها» في «المسألة السورية» ككل..
لذلك تدخلت في «جرابلس» لقطع التواصل الجغرافي بين «عفرين» – التي تُحتلها الآن – و»عين العرب» – كوباني – لمنع قيام أي كيان كردي في «شمالي سوريا» تسميه «تركيا» بـ»الإرهاب» على حدودها..!!
ومنذ شهر هدّدت تركيا بتوسيع منطقة العمليات العسكرية الى شرق نهر الفرات بعد «جرابلس» وعفرين والباب!. إلى أكثر من ٣٠ كلم..
والقضاء على «الإرهاب الكردي» في «شمال سوريا» كما تسميه تركيا، وأنه يُهدّد كما تدعي «أمنها القومي» هو:
أولاً تفكيك اوصال «الدولة الوطنية السورية» الى أجزاء، والمستفيد الأول الذي يتفرج الآن على ما يجري «تل أبيب» التي حصلت على حصتها «الجولان».
وثانياً، الانتقال الى «الموصل» لتأمين «مجالها الحيوي الجوي» في العراق..
وثالثاً، لأن من يمتلك «ميدان المعركة» يمتلك تحسين أي شروط في «الحل السلمي» لـ«المسألة السورية» إن بقي هناك «حل سلمي»!!!
وقريباً لـ«الحديث صلة»..
يحيى أحمد الكعكي