عقدت الحركة الثقافية انطلياس، ندوة عن كتاب “إدارة الممتلكات الكنسية بحسب شرع الكنيسة الكاثوليكية”، للأب ريمون جرجس الفرنسيسكاني، على مسرح الأخوين رحباني في دير مار الياس انطلياس، وذلك في إطار المهرجان اللبناني للكتاب الذي تنظمه الحركة للسنة ال38 على التوالي، وأطلقت عليه هذا العام “دورة المعلم بطرس البستاني”، شارك فيها المطرانان إيلي حداد وجهاد البطّاح والأباتي الدكتور أنطوان راجح، وأدارها الدكتور عصام خليفة، في حضور عدد من الإكليروس والفاعليات الثقافية والدينية والقانونية وزوار معرض الكتاب والمهتمين.
بعد النشيد الوطني، ألقى خليفة كلمة تحدث فيها عن الكتاب وفصوله الستة: الممتلكات الزمنية في الكتب المقدس، بعض القوانين التمهيدية، معالجة اكتساب الكنيسة الممتلكات الزمنية، إدارة الممتلكات في الكنيسة، العقود وعقود البيع بوجه خاص والإدارات المؤسسات التقوية.
وتمنى خليفة لو “توسع الأب المؤلف بمعالجة الاقتراحات العملية التي توفق بين استمرار ملكية الكنيسة لأوقافها وبين إنماء المواطن”، واستشهد بسلسلة نصوص من المجمع الفاتيكاني الثاني منها: “للبشر كلهم حق في الحصول على قسط كاف من الخيرات لهم ولعيالهم”، وقال: “تدعو الكنيسة الرهبان “لتجنب مظاهر البذخ والربح المفرط وتكديس الأموال”… ويدعو المجمع الى “مبدأ المشاركة في استعمال الممتلكات”، وجاء في توصيات المجمع الماروني الانطاكي (2006) لاسيما في التوصية (60): “استعمال ممتلكات الكنيسة والرهبنات واوقافها للمساهمة في إيجاد فرص عمل تأمين مستوى معيشة لائق بخاصة في الأرياف”.
وتحدث عن تعرض مواطني المشرق العربي عموماً، والمسيحيين منهم بشكل خاص الى عملية تهجير واقتلاع من ارضهم التاريخية ولاسيما في لبنان والعراق وسوريا وفلسطين، وسأل الكنائس الشرقية: هل تبقى متفرجة على خطورة ما يجري ام تتحرك للدفاع عن استمرار وجود أبنائها فوق ارض المسيحية الأولى؟ عام 1970 أنشئت لجنة ومؤسسة المشروع الأخضر الرسمية لاستصلاح الأراضي، والمؤسسة الكندية للتنمية، ووضعت دراسة لاستغلال الأوقاف على نحو عقلاني وحديث لمصلحة الكنيسة والمجتمع، ولا تزال هذه الدراسة غير المنفذة حتى اليوم، صالحة كقاعدة للإصلاح. فمتى يبادر رجال الدين والسياسة الى العودة الى هذه الدراسة وتطبيق ما ورد فيها من اقتراحات؟”
وأشار إلى دور البطريرك الياس الحويك خلال الحرب العالمية الأولى في قيادة شبكة مقاومة لأهوال المجاعة المنظمة من السلطات العثمانية. وشدد خليفة على أن “دور الكنيسة مساعدة أبناء المجتمع ليواجهوا مصاعب الحياة، ذلك ان الشعب هو جسد المسيح وبالتالي جسد الكنيسة”.
البطّاح
وألقى المطران البطّاح كلمة تناول فيها تاريخ معرفته بالكاتب أيام الدراسة في المعهد الشرقي في روما، مشددا على أن الأب جرجس كان يعرف ماذا يريد منذ سنين الاختصاص الأولى في الحق القانوني الكنسي، فاختار مجال التعليم والتأليف.
وأشار إلى أن الكتاب يتضمن ستة فصول وأبوابا عدة مأخوذة من القوانين البيعيّة والرسوم والتشريعات المدنية التي تستند إليها الكنيسة، ويطرح في أحد الفصول طرق تأمين إعاشة الإكليروس والاهتمام بالضمان وإنشاء مؤسسات جديدة في الأبرشية والرعايا. وشدد على أن الفصل الأهم هو في إدارة الممتلكات الكنسية، إذ يساعد الكتاب المسؤولين في معرفة ما لهم وما عليهم وخصوصا في بيع الممتلكات الكنسية أو تأجيرها.
الحداد
بدوره ألقى المطران الحداد كلمة رأى فيها أن الأب جرجس “إجاد في إيفاء الموضوع بحثا من مختلف جوانبه وأتت الدراسة شاملة لمادة إدارة الممتلكات الكنسية”، ولفت إلى أن “الدراسة أتت أبعد من الممتلكات وتوسّعت إلى المواد المتعلقة بهذه المادة”، واعتبر أن “الكاتب أحسن بإدراج بعض القوانين الشرقية إلى جانب تلك في الحق القانوني الغربي… ومثل هذا الكتاب سيسهم في تنظيم الشرقيين أكثر لكنائسهم ولحياتهم الإدارية وللحفاظ على الممتلكات إن في القانون المدني او الكنسي على السواء”.
ونوه بإسهاب الكاتب في عرض علاقة الرهبان بالأسقف الأبرشي وإدارة الأملاك الرهبانية وفي إدراجه مادة العقوبات بسبب سوء إدارة الأملاك.
راجح
وكانت كلمة للأباتي راجح نوّه فيها بجديّة الكاتب ورصانته ومثابرته ولا سيما سِمات البحث عندَه، ورأى أنه “يمارسُ ثقافةَ الإنطواء الصارم والعنيد على الذات وعلى موضوع البحث، في زمن الإغراءاتِ الكبرى لثقافة المظاهرِ والمغانم والوصول”. وشدد على أن “في الكتاب دفقَ كلامٍ وغزارةَ محتوى، وسموَّ برهنة، فجاء شاملًا في بابه، واسعًا في جمع شروحاته، يتناول قوانينَ الكنيسة اللاتينيّة، وقوانينَ الكنائس الشرقيّة الإحدى والعشرين، وبعضَ الأنظمة المدنيّة المحليّة بسبب الإحالات عليها”.
وتوقف راجح عند نقطتين في الكتاب، الأولى الموضوعات، إذ يتناول الكتاب “قوانينَ خيراتِ الكنيسة الزمنيّة، باكتسابها وتملّكها وادارتها ونقل ملكيّتها، فضلًا عن الارادات والمؤسّسات التقيّة. وهو موضوع كلما اقتربت القوانينُ فيه عمومًا من الواقع كلّما أصبحت غيرَ ثابتة، وكلّما اقتربت من الثبات أصبحت غيرَ واقعيّة (أنشتاين). وهي كسائر القوانينِ الوضعيّة، مثلّثةُ الطابع فهي وقائيّة وتنظيميّة،-انضباطيّة توضيحيّة وعلاجيّة”. وتمنى “لو أكمل الكاتب بحثه بإجراء مقارنةٍ بين قوانينِ المؤسّسات التقويّة وما نعرفه في شرقنا بالأوقاف، مع تبيانِ الأسس التي تتقاطع في التعبيرين، أو أقلَّه الفوارقَ الجوهريّة بينهما، إذا كانت ثمّةُ فوارق”.
والنقطة الثانية التي توقف عندها راجح هي الردّةُ الأخلاقيّة في التعاطي مع الأموال “وخصوصًا أنّ الكاتب نقل قولَ قداسة البابا بندكتس السادس عشر، أطال الله بعمره، بأنّ طريقةَ إدارة الممتلكات هو تحدٍّ كبيرٌ للمؤمن المسيحي. فالكنيسة تعمَد، عبر توجيهاتها ورسائلها، إلى معالجةِ هذا الموضوع الحسّاس، لا من منظارِ اقتصاديّ محض، بل من مواقفَ أخلاقيّةٍ وروح كنسيّ يغلِّف النموّ الاقتصادي برؤى إنسانيّة. وسأل: “أين مؤسّساتُ الكنيسة من هذه “الردّة الأخلاقية؟”
ورأى أن “الأخلاقيّاتِ الكنسيّةَ بين حدّين أدنى وأقصى، الأوّلُ هو الأخلاقيّاتُ المطلوبة من أيّ مؤسّسة في احترامها مبادئَ الأمانة والصدقيّة والشفافية واحترام الملكيّة، والكرامة الإنسانيّة، واعتمادُ العدالةِ والإنصاف، والتفاعلِ الإيجابي مع شركائها الداخليّين والخارجيّين مطبّقة على كل مستويات العمل الإداري والعلائقي. أما الأقصى فليس حدًا بل نهودٌ إلى التطبيق الأفضل والسخيّ لرسالتها كمهمّة تنويريّة خلاصيّة، مؤنسنة في المجتمع، ودفعًا الى مزيدٍ من توجيه ريع الممتلكات، بل وأصولِها، نحو أهدافها، ولا سيّما أعمالُ المحبّة للأناويم (الفقراء والمساكين)، ومشاريعُ الثبات كاستراتيجيّة في بعض البلدان المشرقيّة”.