برفسور نسيم الخوري
امهد للإجابة بما كان يردده الدكتور سليم الحص عندما كنا نتحلق حوله في ما جمعنا يوما تحت اسم ” منبر الوحدة الوطنية”.
الوحدة الوطنية؟؟؟ أين هي تلك الوحدة الممزقة السحنات والألسنة والمواقف الشريدة العديدة المفقودة بين عواصم الدنيا؟؟
كان الحص يروي بابتسامته المعهودة رحمه الله أن الله عندما خلق لبنان بجباله الشاهقة البيضاء المغمورة بالثلوج وتلاله وسهوله الرائعة الخضراء دبت الغيرة والشكاوى لدى اهل الصحاري في الجنوب الطافحة بالحر الشديد والعطش وشظف الحياة في البادية والعيش الذي يساوي الموت وووووو.
ماذا حصل؟؟؟
كانت النتيجة الشكوى والصلاة وقوائم تطالب بالعدالة السماوية وكلها مدموغة ببصمات الشيوخ وأسياد القبائل المظلومة هناك الى درجة أن الله سمع بعدما وضاق ذرعه فأمر بحل قوامه ان:
“خلق اللبنانيين في لبنان…. وهكذا خرب لبنان….”.
ورضي ساكنو الصحراء وانتعشت الرمال حتى السماء.
ماذا نفعل اليوم
اذ انقلبت الدنيا بين لبنان والصحاري رأسا على عقب؟
نقتدي بالنسور.
كيف؟
النسر يعيش 70 الى 80 عاماً تقريبا ، ولكنه كي يبلغ قويا أصيلا إلى هذا العمر المديد، عليه أن يتخذ قراراً صعباً تحكمه الغريزة.
عند بلوغه عمر الأربعين وتفقد مخالبه مرونتها وتعجز عن الإمساك بمصادر غذائه ويصبح منقاره القوي الحاد معقوفاً شديد الإنحناء وتصبح اجنحته مهدلة ثقيلة الوزن تكاد تلتصق بالصدر ، ويصبح الطيران إعاقة في غايةالصعوبة، يحد النسر أمام خيار صعب لطالما عايشته في عمري الشاق وعايشه معظم اللبنانيين وغيرهم من الشعوب والأوطان في الحضارة :
إما الإستسلام للموت والفناء او القيام الجريء بعملية تغيير مؤلمة جدااااااااا ومؤلمة تستغرق 150 يوما من العذاب والألم والجوع والتدمير بهدف نسف اخفاقاته الجسدية:
يقوم النسر إذن بالتحليق وحيدا نحو قمم الجبال العالية البعيدة عن الدنيا . لنقل مثلا جبل حرمون الذي نشأت طفلا قبالته واصطدت
نسرا صغيرا ببندقية صيد دك لذا صار إسمي الجديد : نسر حرمون.
يقوم النسر خائبا اذن الى حيث كان عشه الأول. يبيت هناك خائفا ويروح يضرب عند الفجر منقاره المعقوف بشدة على الصخرة حتى ينكسر وينتظر وحيدا آلامه الهائلة محاولا احتساء أو رشف مياه الثلوج الذائبة مع دمائه ويتألم الى أن ينمو منقاره (الذي يعني هنا السنة اللبنانيين واحزابهم وطوائفهم وأقلامهم ومواقفهم المبعثرة) ثم يقوم ثانيا بتكسير مخالبه بمنقاره الجديد اذ يصلب ويروح ينتظرها حتى تنمو المخالب من جديد وبعدها يقوم بنتف ريش جسده بمنقاره بالكامل ……حتى العراء….
بعد خمسة اشهر أو اكثر ، يباشر النسر بالتحليق في السماء وكأنه ولد من جديد وقد وهبه الخالق لأن يعيش بعد رحلات عذابه هذه 30 سنة أخرى تقريبا ….
انفعل كما النسور؟
باتت الحياة قاسية بل جحيما بصيغ الجمع علينا جميعا في بقعة اسمها لبنان تشغل العالم وعلينا إيمانًا بالله وبأنفسنا وبماضينا ومستقبلنا لا بحاضرنا ان نقفل ابوابنا على الخارج كل خارج ونتعاون مشرعين قلوبنا وابوابنا وطوائفنا ونجهد على تكسير حياتنا وعلاقاتنا وقلبها كليا وتقشيرها وفتفتتها وإعادة بنائها دون اي تدخل خارجي افرادا واحزابا ودولا وليس أمامنا سوى أن ننهض مجددا بهذا اللبنان المباح والمستباح بالفقراء والسجون والرتابة والقرف والتخلف والمذاهب والمهاجر والمقابر واللجوء والنزوح والتنازع والتواكل والتناكف والتطاول ولو صبرنا حتى تكسرت اجنحتنا وألسنتنا جميعا.
إن بدا التغيير عسيرا وصعبا…..فإن الإيمان الفذ بما فعله الله إذ خلقكم لبنانيين في لبنان ان تعتذروا من الله هذا بالتغيير الجريء الجذري مؤمنين بأنفسنا ووحدتنا وبمساحتنا أعني أرضنا لربما يغفر لنا الخالق لنتحاور باسم الله ولبنان وحسبي كذا.
لا خيار لنا في لبنان الجديد سوى أن ننتفض على خطبنا وقشورها ومواقفنا ونصوصنا جميعا وكل خارج بما ملكت حكمة عقولنا وأيدينا جيلا بعد جيل تجديدا كالنسور حفاظا على أجمل الأوطان نعيد بناءه بل قيامته مساحة تتجدد لنا جميعا ولدنا فيها وفيها نجدد ألسنتنا وأنفسنا وعقولنا وأعمارنا واولادنا وأحفادنا وتاريخنا وانتماءاتنا وهندسة مستقبلنا وشرفنا بعد أن ندفن جميعا أوطاننا المادية والمذهبية المتنامية التي أكلتها الحروب المحلية والمستوردة والهجرة والفرقة والعداوات وإملأوا الفراغ…عني…. حتى القيامة.