بقلم الدكتور نسيم الخوري
بعدما ملّ اللبنانيون من جمهوريات الأحزاب والطوائف، يسكنني عنوان توحيد الجمهورية الذي اعتمدته قبل الانتخابات الرئاسية . أرسلته أولاً إلى القائد جوزيف خليل يوسف عون قبل انتخابه، وأرسلته أيضاً إلى رؤساء جمهورية سابقين والعديد من الوزراء والقضاة الحاليين والمتقاعدين والمحامين والإعلاميين والعديد من كبار ضبّاط الجيش الحاليين والمتقاعدين. ثمّ أرسلته إلى نواب لبنان أثناء وجودهم في البرلمان لانتخاب جوزاف عون الرئيس الجديد. لماذا؟ 1- لأنّ اللبنانيين كان قد أصابهم العجز والجنون بل أصابتهم أمراض العوز والقهر والفشل والهجرة بعدما بعثرتها الحروب والكوارث التي تجاوزت ثبت التاريخ البشري في أصناف الضياع والأمراض السياسية والطائفية وعبر تعثّر تلك الجمهورية المتواصل الذي نسف مستقبلنا وعيشنا عبر رؤساء ونواب وتعيين وزراء يتلاحقون يرثون ويورثون جمهورياتهم الحزبية والطائفية والمناطقية والعائلية، وبصيغة الجمع لا بصيغة المفرد وكأنّ الجمهورية اللبنانية المنتظرة مساحة من دون شعب وغير قابلة للتبديل او التغيير. كان يكفي أن تجمع الكوارث بقايا اللبنانيين مع لبنان المغترب بما يتجاوز جروحهم وإحباطهم التي تركتها كوارث العدوان الإسرائيلي الأخير الهائل على لبنان لتقفز الأعين نحو الانهيارات السورية المشرعة على الإستفهام . هكذا بان رئيس العهد الجديد الآتي من قرية «العيشية» صارخاً ب: عهدي من الجنوب إلى لبنان والعالم مسكوناً بلقمة عيش اللبنانيين على الأقل للخروج من الجحيم والاختناق بصيغ الجمع. بدا الانتخاب لا لبنانياً وحسب بل عربياً وعالمياً لكأنه المساحة المنتظرة بين لبنانٍ ولبنانٍ آخر. 2- لأنّني سبق أن عُينت عضواً في مجلس إدارة تلفزيون لبنان بموجب المرسوم رقم 55 بتاريخ 3 شباط 1990، وكُلفت رسميّاً بتسلّم تلفزيون الحازمية الذي كان متوقفا بعد القصف السوري للقصر الجمهوري ولجوء العماد ميشال عون برعاية السفير الفرنسي رينيه ألا في لبنان آنذاك إلى السفارة الفرنسية في 13 أكتوبر 1990 ليمضي عون 9 أشهر قبل مغادرته إلى فرنسا. كان ميشال عون قد باشر بتأسيس مركز دراسات وأبحاث ليصدر عنه مجلّة “الدفاع الوطني” الذي أمر بترخيصه سلفه قائد الجيش ابراهيم طنوس ولم ير النور معه ولا مع العماد ميشال عون الذي حرّر كلمة العدد الأول لتصدر بانتظام منذ ذلك التاريخ باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية وإني ما زلت في هيئتها الاستشارية بعدما تسلّم القيادة العماد إميل لحود مكلّفاً آنذاك العميد الركن علي حرب الذي أوكلني بها وكنت مديراً لكلية الإعلام الفرع الثاني بالتعاون مع مديرة الفرع الأول للكلية حسانة الرشيد ود. مي جبران ووضعت يومها استراتيجية استيعاب العديد من المقاتلين في الجيش اللبناني حيث تم دمج العديد من المقاتلين في مؤسسة الجيش. ما زال مركز الدراسات تصدر عنه الدفاع الوطني من أرقى المنشورات العلمية القيمة التي خرج منها نواب ووزراء منهم الدكتور عبد الله فرحات ود. حسن منيمنة ود. طارق المجذوب وفريد الخازن وغيرهم. يكفي لي تجربة 35 سنة من التعاون مع المؤسسة العسكرية أن احررها بمذكرات شيقة حافلة بالأخبار والأسرار والتحديات إذ ليس عابراً أن يمكث المرء عمراً تحوّلت فيها قيادة الجيش ورئاسة جمهورية لبنان تباعاً من ميشال عون إلى جوزيف عون مروراً بإميل لحود وميشال سليمان بما قد يفيد الأجيال اللبنانية بمعرفتهم تاريخ لبنان بعد المئوية الأولى. 3- اليوم فجر نهار الخميس في التاسع من كانون الثاني/ يناير 2025. العماد جوزاف عون بات الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية. احتفل الرجل بعيد ميلاده في القصر الجمهوري. ليس أشرف وأحب من أن تكون الجمهورية الموعودة هدية عيد ميلاد الصدفة لرجل فذّ لطالما عرفته وقد اعتاد احتضان الجندي اللبناني برمشيه وصمته في مرحلة من أصعب وأعقد المراحل التي مر ويمر بها لبنان حيث كان لا بد من الحفاظ على كرامة ال٧٠ ألف اللذين يشكلون جسم الدفاع اللبناني في المؤسسة الخضراء واللذين عانوا كثيرا وكان القائد مسكونا بهمومهم وأوضاعهم. كان لي شرف الأستاذ المحاضر في كلية القيادة والأركان بتكليف من العميد الركن الياس فرحات حيث اكتسبت كثيرا بدوري والتقيت بالطبع القائد الذي لا يهوى الكلام ولا الخطب بقدر عشقه الجيش ولبنان العمل وكأنه لم يخرج عن سطر الشرف والتضحية والشفافية أكتب ومرجعي امتشاق الكلمات الصامتة من أفواه الضباط والجنود اللبنانيات واللبنانيين الكثر الذين عرفتهم وعاشرتهم وسأعاصرهم وأعاشرهم عبر هذا التاريخ محاولاً أن أزيّن نصّي موقّعاً بصبرهم واطمئنانهم وحبهم الدافق أؤكّده بالحبر والهمس لقائدهم ولبنان الأكيد. اللبنانيون فرحون يقفزون بل يرقصون أمامي شعوباً وأحزاباً وطوائف ومذاهب طال انتظارهم للإفلات من الجمهوريات الجائعة المتعددة الألوان والأشكال والتي لا يشبع مسؤولوها وموظفوها . كانوا وكأنهم ينتظرون عطشهم صابرين ترقبا للأحلام الخضراء بعدما تعسر العيش وكانوا يسألون خفية ووشوشة ويسألون عن انتخاب قائدهم من العيشية كما اعتدت ان اشد من عضدهم. 4- أيُعقل أن يتلهّف المواطنون للحقوق الإنسانية البسيطة التي تتمتع بها الكائنات الأخرى والتي يكفلها الله قطعاً، كما كفلتها وتكفلها الدول التي فتحت عيونها وصدورها وأحضانها واستضافت أولادنا وبناتنا في الإمارات وقطر ودبي وغيرها في الخليج ومثلها عواصم العالم حيث أجيالنا وأولادنا وأحفادنا غادرونا وهم يُقيمون في أرجاء الدنيا ويدخلون قصور رؤساء الدول وهمهم لبنان والحرص على بقايا نعمة أهاليهم واللقمة والكرامة في وطنهم الأم. 5- سأقولها بالحبر الملآن: كانت لفتةً صائبة من الرئيس جوزيف عون تخصيصه الجامعة اللبنانية الأم في الخطاب الرئاسي. كيف ومن يصون كرامة الجندي أو الضابط أو الأستاذٍ الجامعي أو الموظف الشريف في وطنٍ قبض مسؤولوه على مدخراتك وأموالك وصحتك ومستقبلك وراحو يتلذذون بإذلالك بعد التقاعد في بلدٍ صغير صارت فيه 53 جامعة خاصة بالطوائف والمذاهب والأحزاب والشخصيات السياسية؟؟؟ سأسأل كلّ من يعتبر نفسه مسؤولاً أبدياً مُقيماً في عرينه اللبناني مشاكسا أو قالبا شفاهه أو حاجبيه ويعتبر لبنان إمارة ديمقراطية بعد اليوم: هل سمعت فعلاً بحقوق الإنسان؟ ومن أيّ رحمٍ أسقطت هذه الحقوق في لبنانك الخاص إذ جعلتك تردّد بلا خجل: نحن الدولة الديمقراطية؟ انت من؟ أية حقوق بعد لمن عاثوا بلبنان فساداً وهم لا يتركون فوق شفاهنا سوى الخيبة، إذ يقولون في لبنان إنهم يحكمون بالعدل والمساواة ويحفظون الحريّات ويقدّسون المبادئ الديمقراطية وحقوق المرأة والطفل لكنهم كانوا قد اعتادوا بل أدمنوا على تقزيم لبنان ومص بقايا روحه وذخائره؟ ان اللبنانيين ينتظرون وطناً لبنانيا لا مذهبيا ولا حزبيا ولا طائفيا نعم وطنا واحدا يقف أخيرا على رجليه…ولكل مواطن حقوقه وواجباته مهما كان أصله وفصله وشكله ولونه والسلام والمجد للبنان فقد طال انتظاره.