نظمت الحركة الثقافية – انطلياس لقاء حواريا بعنوان “خطة دفاعية عن استقلال الدولة اللبنانية” لمناسبة الذكرى السنوية الـ81 لاستقلال لبنان شارك فيه الدكاترة انطوان مسرة، علي عواد ونزار عبد القادر وأداره الدكتور عصام خليفة الذي رأى أن “وطننا يواجه نكبة لم يشهد لها مثيلاً في تاريخه الحديث والمعاصر”، وقال:”لقد عانى شعبنا قبل النكبة،وربّما كمقدّمة لها، من كوارث اقتصاديّة وتم إغراق ديمغرافيّتنا بعدد هائل من المهجّرين السوريّين على نحو هدّد هويّتنا الوطنيّة، وبالمقابل مهاجرة 700 ألف من خيرة الكفاءات منذ 2012، إلى الخارج.
وتوقف خليفة عند بعض المنطلقات، فشدد على أن “لا دولة إلّا مع وحدة السلطة، ووحدة احتكار السلاح من قبل الجيش وقوى الأمن الاخرى وعلى أن اتفاق الطائف والقرارات الدوليّة وبخاصة الـ 1701 واضحة في هذا المجال”.
ورأى أنه “من الأكيد أنّ لإسرائيل أطماع تاريخيّة في أرض لبنان ومياهه وغازه ونفطه”، وسأل:”ماذا يمنع أن يندرج كل ابناء شعبنا الشجعان، كأنصار للجيش، لمواجهة تلك المخطّطات التوسّعيّة؟”.
وشدد على أن “الدستور والميثاق الوطني يمنعان كل فئات اللبنانيّين أن يعتبروا لبنان ساحة أو ورقة لإحدى الدول الخارجيّة، قريبة كانت أم بعيدة. وأنّ الوحدة الوطنيّة بين كل مكوّنات شعبنا لها الأولويّة على كل نوع من انواع الولاءات الخارجيّة. وإنّ المصالح العليا للدولة اللبنانيّة واستقلالها وسيادتها لها الاولويّة ايضاَ عند كل الطوائف المكوّنة للمجتمع اللبناني”.
وسأل خليفة:”إذا اتبعت أميركا ترامب سياسة تصعيد العقوبات والمواجهة مع النظام الإيراني، ألا يحملنا ذلك على التخوّف من تحويل حزب الله ، وتالياً الساحة اللبنانيّة، إلى أداة لإيران في مواجهة ساخنة للسياسة الأميركيّة والإسرائيليّة في شرق المتوسّط؟ وإذا تمّ الإتّفاق مع اسرائيل على نقل سلاح حزب الله إلى شمال الليطاني، وإذا امتنع حزب الله عن الانخراط في استراتيجيّة دفاعيّة وطنيّة، كما يفرض اتّفاق الطائف والقرارات الدوليّة ؟ وإذا تحوّل الوجود الشيعي النازح إلى وجود مستمر في اماكن التهجير، باعتبار الدمار الذي أحدثه العدوان الاسرائيلي يحول دون العودة الفوريّة، ألا يحق لنا أن نتخوّف من اندلاع فتن داخليّة، وتكون نتائجها المدمِّرة أخطر من نتائج الحرب مع اسرائيل؟”.
وختم خليفة:” أوقفوا النار فوراً. وفوراَ انتخبوا رئيساَ للجمهوريّة وليتم تأليف حكومة انتقاليّة إصلاحيّة تتولّى إدارة الدفاع عن الوطن وتنشلنا من الكارثة الإقتصاديّة والإجتماعيّة”.
عواد
ثم تحدث الدكتور عواد فرأى أن “هناك فهما عاما شائعا خاطئا لمفهوم الاستراتيجية الوطنية الدفاعية في لبنان، ردده البعض بترف سياسي منذ العام 2006 على انها مسألة سلاح فقط ، لكنها في الواقع لا تنفصل اطلاقا عن استراتيجة الأمن القومي اللبناني التي هي المظلة الأم والأكثر شمولا في بعديها الداخلي والخارجي وفي مقوماتها الخمس”.
ولفت إلى أن استراتيجية الأمن القومي اللبناني تشكل رؤية علمية لبناء الدولة القوية وعلاقاتها الخارجية ولها هدفان :الأول، تحقيق الأمن الوطني والأمن القومي ضد الأخطار الداخلية والخارجية والثاني، ترجمة التزام الدولة وسلطاتها حماية النظام السياسي وحق الشعب بالتغيير من خلال القواعد الديموقراطية، ويتحدّد هذا الهدف بشكل أساسي باحترام الثوابت الوطنية التي حددها الدستور. كما تكون اطار هذه الاستراتيجية من بعدين متلازمين : البعد الخارجي أي المحاور السياسية والمهدّدات العسكرية و البعد الداخلي أي المسائل السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والإعلامية والتربوية…”.
واعتبر أن “من دون استراتيجية الأمن القومي اللبناني سيبقى لبنان رهينة سياسات المحاور وسينزلق إلى انهيارات أكثر خطورة”، ورأى أنه “إذا غابت الارادة السياسية فان قوة الاستراتيجية ستضعف ، وبالتالي ان قوة الدولة ستهبط وتبلغ حد الانهيار ، وهذا ما حدث وما ارتكبه حكام لبنان “.
وقال:”نحن اليوم في مأزق استراتيجي وجودي كياني خطير وحاسم، وليس لنا في أتون الحرب الا سلاحين لا ثالث لهما : فكر الدولة والوحدة الوطنية”، واضاف:”بوجود حكام الأمس لم تكن هناك من ارادة سياسية لوضع استراتيجية الأمن القومي، فانهارت الدولة وانهار استقلالها. وطالما أن حكام اليوم هم ذاتهم حكام الأمس فعلينا بالتغيير البنيوي وفق توصيات “مؤتمر جنيف الدولي2021 ” و “ميثاق الاعتدال وبناء الدولة” ، والا سنكون أمام محو دولة وتحلل كيان وتشظي وطن وشتات شعب “.
ولفت إلى ان “خطة التغيير موجودة وموضوعة للعشر سنوات المقبلة ، خطة علمية واقعية صالحة للتنفيذ، خطة تعمل بالتراكم على ثمانية محاور وطنية أساسية ، خطة تبني الدولة والهوية والمواطنة وتستعيد كيان الوطن ، خطة استراتيجية وضعناها على أسس علمية دون أية خلفيات سياسية أو طائفية أو محورية أو مصلحية، تعالج هواجس كل اللبنانيين وبنيتهم التعددية تحت مظلة “الدستور- الطائف” والانتماء العربي للبنان”.
مسرة
من جهته رأى مسرة أن “مصدر الكارثة في لبنان اتفاقية قاهرة سنة 1969 وتداعياتها والتي تمّ إلغائها في المجلس النيابي في 21/5/1987، ثم اتفاقية قاهرة متجددة في 6/2/2006 وتداعياتها”، وأشار إلى أن “المسار السائد في لبنان هو الانجراف في تحليلات وسجالات حول موقع لبنان في المنطقة وفي العلاقات الدولية هروبًا من النقد الذاتي في سبيل بناء المناعة وإرساء صدمة نفسية خلاصية في مواجهة لبنان الساحة والساحات”.
وتحدث مسرة عن “ثلاثة توجهات لبنانية خطيرة تزعزع شرعية الكيان اللبناني وهي : الايديولوجيون في البناء القومي خلافًا لأنماط تعاقدية في هذا البناء في علم التاريخ والعلم الدستوري المقارن، الايديولوجيون حول العصرنة والمثقفون بدون خبرة الذين لم يطلعوا على الدراسات العالمية المقارنة حول الإدارة الديمقراطية للتعددية منذ سبعينيات القرن الماضي”.
وأشار إلى انه “لم يعد ممكنًا بعد كارثة 2024 اقناع اللبنانيين ولا اقناع مستثمرين، بمستقبل لبناني مستقر بدون مراجعة لبنانية بالعمق ونقد ذاتي وصياغة رؤية تطبيقية للسنوات 2024-2030.”
ورأى أن “الدستور اللبناني في النص هو في أرقى الدساتير في عالم اليوم من منظور مقارن وعالمي في كل ما يتعلق بالإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية، أما الممارسة فهي الأسوأ عالميًا”، وأشار إلى أن “المعضلة هي في ذهنية سياسية لبنانية تخاطر وتغامر بلبنان وتضم انتهازيين ومقامرين ومغامرين يمارسون الدعارة في العلاقات الخارجية والاستقواء بالخارج والمساومة في السيادة والاستقلال والدولة”.
وشدد على أن “ما يجب تعزيزه هو ذهنية جديدة، وفق ما ورد في الارشاد الرسولي الذي أعلنه البابا يوحنا بولس الثاني”، مشيرا إلى أن هذه الذهنية الجديدة تشمل في الثقافة السياسية سبعة عناصر تعود جذورها إلى علم النفس التاريخي وهي:
– مثاقفة الدولة ونشوئها من خلال تأريخ علمي واقعي.
– الشأن العام العابر أساسًا لكل الانتماءات الأولية تخطيًا لأنانية مفرطة وانتماء مغلق.
– معالجة عقدة الباب العالي.
– بناء الذاكرة الجماعية المشتركة في سبيل صدمة نفسية خلاصية.
– العدول عن المساومات وفي التموضع والشطارة والمعليشية، بخاصة في قضايا السيادة والشأن العام.
– معالجة السلوك البدائي في سبيل التزام سياسات عامة للجيل الحالي والأجيال القادمة.
– العقلانية والبراغماتية والفعالية في مقاربة البناء الدستوري اللبناني في تاريخيته ومن منظور عالمي ومقارن في عالم اليوم”.