يستدعي العنوان المُقترح صوت الأستاذ غسّان تويني وحبره. هذا الكبير المستقيم المُقيم في الوجدان الوطني صوتاً مدويّاً ً في أروقة مجلس الأمن الدولي: “دعوا شعبي يعيش”.
كانت من نتائج الصرخة إصدار مجلس الأمن القرار التاريخي 425 في 19/3/ 1978 القاضي بالانسحاب الفوري للقوات “الإسرائيلية” من لبنان واحترام سلامته وسيادته الإقليمية داخل حدوده المعترف بها دوليا.
من ومتى يصرخ اليوم في لبنانكم النائم على ال7 ونصف:
“دعوا شعبي يعيش”؟
نعم شعبي بصيغة المُفرد لا بصيغ الجموع المتفرقة والمشتتة !
استجاب لبنان يومها بإنشاء قوة مؤقتة للأمم المتحدة بإشراف المجلس الذي أوكل إلى أمينه العام تقديم تقريره حول تنفيذ القرار خلال 24 ساعة، لكنّ التنفيذ بقي يتمطّى 22عاماً كما السلحفاة حتّى 25/5/ 2000 صدر خلالها 89 قراراً مماثلاً يُطالب ببسط السلطة اللبنانية على أراضيها ووقف العنف.
وكان القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع عقب حرب مُكلفة مع إسرائيل في 11 تموز 2006 دامت 33 يوماً من آخر القرارات ولربّما أهمها عن مجلسٍ أسميته “مطبعة الأمن الدولي” في مقال. لقد اعتُبر القرار يومها الأكثر إبهاماً، مع أنّه كان ولا يزال وأصبح وسيصبح أكثر خطورةً لدى الإستهانة بمخاطره في الصراع اللبناني الإسرائيلي الذي وافقت الحكومة اللبنانية على حلّه بالإجماع لأنّ منطوقه يسمح بتطبيقه بالقوة وفقاً للفصل السابع.
تكشّف هذا القرار، بصفته بان الصيغة اليتيمة بتاريخ مجلس الأمن عندما دمج تطبيقه مع كلّ القرارات التي سبقته من ال425 وال426 حتى ال 1559 وال 1655 وال1680 وكلّها تتمحور حول نقطة واحدة عنوانها كيفية نزع سلاح المقاومة.
يمكنني اختصار ما يعانيه لبنان حاليّاً في ضوء مئوية “طوفان الأقصى” بكلمتين:” سياسات المطّ والترقيع وحفّ الأكفّ والتلعثم” حيال نصائح الموفدين وحيرتهم المرتبط بالجواب الوحيد حول مستقبل القرار 1701 الذي عاد يبرزعنواناً للإهتمام المحلي والإقليمي والدولي والذي سبق اعتباره من أغرب القرارات وأعقدها في المواقف الدولية.
قيل ويُقال اليوم وسيقال الكثير حول ال1701 وإمكانية الإتيان بقوّات متعددة الجنسيات وفقاً للفصل السابع، وهو ما كان يحضر أساساً كبندٍ متقدم فوق طاولات الحوار والإستراتيجيات الدفاعية اللبنانية تأميناً لانتشار الجيش اللبناني على كامل الأراضي اللبنانية…ونحن نتطلّع فيه جميعاُ إلى الجيش.
هكذا بقي اللبنانيون أمام التباسٍ وسرّية وتخوف وتنازع محلي وإقليمي ودولي حيال القرار الذي يحضر مجدّداً لأسباب لم تتغير:
1- لأنه من أطول النصوص في قرارات مجلس الأمن وأكثرها تشعباً عبر فقراته التمهيدية والتنفيذية بما قد يخفي إرباكاً في مضامين تطبيقه وآلياتها.
2- تأسس النص إثر دهشة أممية في ال2006 عندما تزاحمت الأفكار والنصوص بُغية ضمان الإستقرار في جنوبي لبنان حتّى أنّ دولة كإلمانيا وجدتها مناسبة ذهبية آنذاك للتكفيرعن “الخطايا المتراكمة” عليها ديوناً لإسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية.
3- عرض دايفيد ولش مساعد وزير الخاجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط في 8 أغسطس 2006 مشروعاً لقرار أميركي عملاً بالفصل السابع كما جاء في البندين 9 و11 للمشروع مع الإقرار بأن ما يحصل في لبنان سيشكّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين مقترحاً وقف إطلاق النار واحترام الخط الأزرق وحظر السلاح لغير الحكومة اللبنانية وترسيم الحدود مع سوريا. وعرضت فرنسا نصّاً لقرار آخر تمّ تعديله لمرّات جاء في البند 8 من صيغته الأخيرة “موافقة لبنان وإسرائيل السماح بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بنشر قوة دولية لدعم الجيش اللبناني وتأمين بيئة آمنة جنوبي الليطاني..” وبناءً عليه دعا المشروع الأميركي الفرنسي في مسودته الأخيرة الى ” إنهاء كامل الأعمال العدائية وإنشاء منطقة عازلة دولية بين الخط الأزرق والليطاني”، ولهذا الخوف المتجدّد أوفدت فرنسا وزيرة خارجيتها كاترين كولونا إلى إسرائيل الأحد 17/12/2023 ثمّ إلى لبنان الإثنين للهمس في أذن لبنان جملة مفيدة:
” الوضع خطير جدّاً وإذا غرق لبنان في الحرب فهو لن يتعافى”.
4- تؤكّد الفقرتان التمهيديتان 20 و21 من ال 1701 بأن لبنان هو المهاجم بما يهدد السلام والأمن الدوليين لذا دعا في فقرتيه التنفيذيتين 12 و14آنذاك ” الحكومة اللبنانية بتأمين حدودها منعاً لدخول لبنان من دون موافقتها أسلحة ثقيلة أو معدات متّصلة بها، ويطلب من اليونيفيل تقديم المساعدة للحكومة اللبنانية حين طلبها.”
تقع هذه البنود كلّها في الفصل السابع الذي يفترض 3 مراحل تتدرّج صعوداً، أوّلاً بفضّ النزاعات سلميّاً ( مادة 40) وإلاّ يفرض المجتمع الدولي عقوبات وحصاراً جزئيّاً أو كلّيّاً على الطرف المخالف (مادة 41) وفي حال عدم التجاوب يعلن المجتمع الدولي حربه على الطرف ما يقتضي حضوراً عسكرياً دولياً لفضّ النزاعات ( مادة 42 ) مع الإشارة بالترابط المُحكم بين الفصلين 6 و7، لأن قرارات الفصل السادس تفضّ النزاعات بالطرائق السلمية وبموافقة جميع الأطراف المتنازعة ليبدو الفصل السادس كامن في المادة 40 من الفصل السابع.
ماذا سيفعل لبنان المتعدد الرؤوس وبماذا يفيد اللبنانيين إن سمع الوشوشات الصعبة باستحضار القوات الدولية وفقا للمادة 41 بحثاً عن الأطراف المتعددة في لبنان؟
الجواب: لن يفعل شيئاً لأن اللبنانيين ومعهم حكّامهم وسلطاتهم ينامون على السبعة ونصف.
كم نحن بحاجة لمن يصرخ اليوم في وجوهكم مُقلّداً الغسّاني أبا جبران ولو جبراً لخواطر لبنانكم المكسور: دعوا شعبي يعيش؟؟؟