بقلم الدكتور نبال موسى
بعد أشهر من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، هاجرت الصحافة اللبنانية كما هو معروف بسبب صعوبة الصدور والتوزيع وفقدان الأمن ولأسباب أخرى، واستقر قسم منها في باريس وقسم في لندن. الفرانكوفونيون هربوا الى العاصمة الفرنسية والانكلوسكسونيون فرّوا الى لندن.
عجّت باريس، ابتداء من العام 1977، بعشرات المجلات والنشرات السياسية الأسبوعية أو الشهرية، هذا عدا بعض الصحف، لدرجة ان عدد هذه المطبوعات وصل الى أكثر من عشرين. وكما في بيروت، كانت هذه المطبوعة تموّل من العراق وتلك من ليبيا وهاتيك من السعودية أو الكويت أو منظمة التحرير الفلسطينية…وحتى رفعت الأسد أصدر أكثر من مجلة سياسية وغير سياسية. وكانت حرب أخرى مشتعلة بين الأنظمة العربية لأسباب كثيرة وخصوصا بين تلك التي انغمست في الحرب اللبنانية وموّلتها وسلّحتها، مما تسبب في خلافات هائلة واغتيالات كثيرة وأحقاد لا حصر لها.
صحفي مسؤول في إحدى هذه المجلات التي كان يموّلها العراق، وقد تجاوز عددها في تلك الأيام عدد أصابع اليد ، لعب أقذر دور يمكن ان يلعبه انسان على وجه الأرض. كان الخلاف شديداً في ذلك الوقت بين ليبيا والعراق، وكانت هذه المجلة تهاجم دوريا وبشدة نظام القذافي. وكان عدد من المعارضين الليبيين يمدّون المجلة بأخبار من الداخل الليبي تستخدمها في الهجوم على القذافي ونظامه، وكانوا يرسلون وثائق تدين النظام، وبعضهم كان يأتي الى باريس ويجلب معه ما تيسّر من هذه الوثائق، وكان النظام الليبي يتلقى الضربات، الواحدة تلو الأخرى، ويتوق لمعرفة مصدر هذه الوثائق والمعلومات.
على مدى اشهر طويلة، توطدت الثقة بين الصحفي المسؤول ومجموعة من المعارضين الليبيين، وأصبح يملك قائمة بكل هؤلاء المعارضين. وذات يوم، وصل الى أسماعه ( أو أوصلوا الى أسماعه) أن النظام الليبي مستعد لدفع اي مبلغ مالي لقاء معرفة أسماء من يسربون هذه المعلومات، فلم يتردد في الاتصال والتفاوض على تسليم القائمة، وطلب مليون فرنك فرنسي في ذلك الوقت. فوافق النظام، وتمت الصفقة، وتم تحويل المبلغ الى شقيق الصحفي المقيم في نيويورك. وبعد أيام جاء الشقيق الى باريس حاملا المبلغ نقداً في حقيبته، ووصل الى المطار في الثانية بعد منتصف الليل وخرج منه من دون اي عائق. كان ذلك على ما اذكر عام 1983 إن لم تخنني الذاكرة.
ذهب الصحفي المشار اليه الى بنك لبناني يقع في جادة الشانزيليزيه لن أذكر أسمه لإيداع المبلغ، فأخبره البنك انه لا يستطيع ايداع مبلغ نقدي كبير كهذا من دون إبلاغ البنك المركزي، وأنه كان عليه ان يصرح به في المطار لدى الجمارك. وقد تبين بعد التدقيق أنه لم يكن في المطار حاجز للجمارك في ذلك اليوم وفي تلك الساعة المتأخرة، فتمت مصالحة مع البنك المركزي الفرنسي ودفع الصحفي 200 الف فرنك غرامة مالية واحتفظ بالباقي.
والآن تسألون حتما: وماذا جرى بالقائمة؟ قبض القذافي على جميع الأسماء التي وردت فيها وتم إعدامهم.
لا تعليق !
ملاحظة: المعلومات من مصادر مختلفة: من شخص كان يعمل في المجلة نفسها، ومن مصادر عراقية موثوقة، ومن موظف كان في البنك اللبناني المشار إليه.
ترقبوا مقالا للإعلامي الدكتور نبال موسى كل يوم اثنين