بقلم الدكتور نبال موسى
عندما تسلّمت رئاسة تحرير المجلة الاقتصادية “تجارة ومال” التي كان يملكها رجل الأعمال اللبناني جورج عازار والتي كانت تصدر من باريس، اخترت أن يكون مراسل المجلة في بيروت الزميل عماد جودية الذي كنت أعرفه من قبل حيث كان أحد مراسلي مجلة “المستقبل” الباريسية التي كنت أعمل فيها، ومراسلاً في ما بعد لمجلة “الدولية” الباريسية أيضاً التي كنت مديرا لتحريرها.
بحكم أعماله، كان جورج عازار يسافر كثيراً من باريس إلى بيروت فتوطّدت العلاقة بينه وبين الزميل عماد جودية الذي أصبح في ما بعد مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء الأسبق الدكتور سليم الحص. وعن طريق عماد وافق الدكتور الحص على كتابة مقال اقتصادي شهري في مجلتنا، وهذا ما حصل فعلاً حتى توقفها عن الصدور.
وذات يوم من العام 1995 على ما أظن عاد جورج من بيروت إلى باريس وأخبرني أن عماد روى له رواية غريبة مفادها أن الرئيس المرحوم رفيق الحريري اتصل يوماً بالدكتور الحص متمنياً لقاءه في منزله للسلام عليه والاطمئنان على صحته. وبطبيعة الحال أجابه الدكتور الحص بأنه يمكنه التفضّل في اليوم التالي.
في اليوم التالي جاء الرئيس الحريري إلى منزل الدكتور سليم الحص ومعه حقيبة. وبعد السلام والكلام وبعض المجاملات والأحاديث عن أحوال البلد والناس، قال الرئيس الحريري للرئيس الحص ما معناه: أنت يا دولة الرئيس شخصية سنّية بيروتية مرموقة، وأنا أكنّ لك كل الاحترام والتقدير، كما يكن لك كثيرون من أهل بيروت وغيرهم نفس الاحترام والتقدير. ومن هذا الموقع المهم الذي تتبوّأه لا بد أن تكون عليك التزامات مالية كثيرة لأناس كثيرين وجهات متعدّدة وأشياء مختلفة، وأنا أعرف أن لا موارد لك سوى راتبك التقاعدي كأستاذ جامعي سابق. ولذلك، فاسمح لي أن أقدّم لك خمسة ملايين دولار تتصرّف بها كما تشاء. فشكره الرئيس الحص وأجابه بما معناه وباختصار انه لا يحتاج لشيء، ولا التزامات مالية لديه، وأن راتبه التقاعدي يكفيه ويزيد. فقال الرئيس الحريري: طيب، خذها واعطها لدار الإفتاء. فرد الرئيس الحص قائلاً: حسناً، نذهب سوياً ونقدمها لدار الإفتاء …
قال جورج: طبعاً لم تنجح هذه الفكرة وانتهى الأمر، وعاد الرئيس الحريري بالحقيبة. فقلت له: لماذا؟ ألم تكن بادرة طيبة من الرئيس الحريري؟ فأجاب: هدف الرئيس الحريري لم يكن خيرياً مائة في المائة، بل كان سياسياً إحتوائياً بامتياز، لكن الدكتور الحص أدرك ذلك فورا، وجوابه للرئيس الحريري بأن يذهبا سوياً إلى دار الإفتاء لتقديم الملايين الخمسة أفهم الرئيس الحريري أنه عرف مقصده ولن يوافق عليه.
… على ذمة الراوي !
ترقبوا مقالا للإعلامي الدكتور نبال موسى كل يوم اثنين