كتبت ريتا شمعون
بعد أكثر من سنة وستة أشهر على عملية التدقيق الجنائي، التقرير الأولي لشركة “الفاريز أند مارسال “حول التدقيق في حسابات مصرف لبنان إنتشر.
فبالرغم من كل المعوقات لإتمام تقرير ” الفاريز أند مارسال” فإن ما أوردته صفحات التدقيق اﻟ332 موزعة على 14 بابا يكفي لنستخلص أن في مصرف لبنان : حكم غير رشيد، مجلس مركزي حاضر غائب، ميزانيات وهمية، وهندسات مالية ” برجوازية” كلفت المالية بين العام 2015 والعام 2020 مبلغ 115 ترليون ليرة لبنانية، في حين بلغت قيمة القروض التي منحها البنك المركزي 15 ترليون ليرة.
لو صدر تقرير جنائي مماثل لتقرير Alvarez في أي دولة أخرى في العالم لعمّت التظاهرات الشوارع، وتحرك القضاء للتحقيق، لكن مهلاً، نحن في لبنان، لم ينشر التقرير إلا بعد التلويح بسيف العقوبات، والشروط التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية في الإتفاقية مع ” الفاريز” يتعذر على القضاء النظر في التجاوزات والمخالفات المالية التي وردت في التقرير.
وأكثر من ذلك، فإن الدولة تآمرت على نفسها في اتفاقية ” الفاريز” عن التدقيق الجنائي في مصرف لبنان لتنأى بنفسها عن المحاسبة والمساءلة “إنها الخديعة الكبرى في العام 2023″ كما وصفها الخبير الإقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث لموقعنا ” journalalire “.
وأوضح علامة: من المعروف أن التدقيق الجنائي هو حاجة ضرورية للكشف عن أي تجاوزات أو انتهاكات للقوانين في مكان ما، مثل الإحتيال المالي وغيرها من الجرائم المالية، وفي الحالة اللبنانية اعتبر أن التدقيق الجنائي في مصرف لبنان أمرا ضروريا لتبيان مدى تطابق العمليات المالية والمصرفية مع مفهوم النزاهة والشفافية، ويتضمن فحص دقيق ومتعمق للأنشطة المالية والمعاملات التي تمّت داخل مصرف لبنان لفترة زمنية محددة بهدف إكتشاف أية عمليات غير قانونية.
واعتبر علامة ما ورد في التقرير الأولي ” أداة للتنفيس” للبنانيين عما يتم تداوله في التقرير المؤلف من 332 صفحة عن ان الوضع المالي للمصرف المركزي تدهور بسرعة بين العامين 2015 و 2020، ويمكن أن ننتقل من خلاله الى مرحلة المحاسبة والمساءلة باستعادة جزء من الأموال التي تم اكتسابها أو التصرف فيها بطريقة مخالفة للقانون، لكن تقرير الشركة لن يكون صالحا لاستعماله قضائيا.
وأكد أن الشعب اللبناني تعرّض لخديعة كبرى، ففي قراءة تحليلية للعقد بين الطرفين أوضح علامة : ان الدولة اللبنانية قامت بهذه الإتفاقية مع شركة لا يبدو أنها تمتلك وفقا لمواقعها الإلكترونية أي خبرة ملحوظة في هذا المضمار أي في حقل ” التدقيق الجنائي”، وقدّمت نفسها على انها مكتب إستشارات وهي لا تعلن عن نفسها كشركة تدقيق، قائلاً: لطالما راهن الشعب اللبناني على نتائج هذا التدقيق لاستعادة الأموال المنهوبة، مضيفا: الأخطر من ذلك تضمن هذا التقرير لائحة باسماء شخصيات سياسية واعلامية ومؤسسات وجمعيات استفادت كلها من تلك الأموال من غير وجه حق، وما ” بيستحوا “.
وبموجب العقد الموقع بين الدولة اللبنانية وشركة ” الفاريز”، يشير علامة الى بعض الثغرات التي تمنع المحاسبة:
- الأثر النسبي للعقد الذي لا يلزم سوى الأطراف الموقعة عليه فقط، بالتالي لا يمكن الإحتجاج به على مصرف لبنان.
- تم الإتفاق ضمنيا ومسبقا على تقديم تقرير شكلي أو وصفي بحسب علامة ، إضافة الى شروط تمّ ادراجها في العقد لا تحترم المعايير الدولية لمفهوم التدقيق الجنائي .
- لا يحق للدولة اللبنانية استعمال التقرير الأولي في أية إجراءات قضائية.
وعليه ارتكز مهام ” الفاريز” على تقديم تقرير مبدئي يشير الى كيفية تنفيذ الإجراءات المالية وطريقة ادارة أنشطة مصرف لبنان، دون توضيح ما يقتضي ان يتضمنه كحد ادنى هذا التقرير بصورة جلية لجهة المخالفات، ومع ذلك يخول العقد الشركة تحصيل ما هو متوجب من أتعاب للشركة تقدر ب 5 مليون دولار اميركي مع ما يستتبع ذلك من أتعاب جديدة،لافتا الى ان تقرير ” الفاريز” غير ملزم.
من الثابت مما تقدّم، أن الإتفاق الذي أجرته الدولة اللبنانية مع ” الفاريز” لا جدوى منه، معتبرا أن طلب نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي من مجلس الوزراء إحالة التقرير الى القضاء وضمّه الى ملفات ملاحقة سلامة فلا يعدو كونه بروباغندا، أما وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري يحاول ” ذر الرماد في العيون ” عبر تقديمه إخبار الى النيابة العامة التمييزية، في حق كل من ورد ذكره في تقرير التدقيق الجنائي.
ورأى أن دعوة الشامي للتعاقد من جديد مع ” الفاريز” لمواصلة التدقيق الجنائي من خلال إتاحة جميع البيانات المطلوبة وتمديد فترة التغطية الى الفترة المتبقية 2021-2023 سائلاً: هل هذا يعني صرف مبلغ ” 5 مليون دولار أميركي جديدة”.
واضاف: أن أي طرف من الأطراف اللبنانية لا يمكن الإعتماد على التقرير أو يبني عليه لمقاضاة أي موظف لارتكابه مخالفات مالية أو ما شابه لأن ” الفاريز” ودائما بحسب العقد لا تتحمل أي مسؤولية تجاه المراجع الرسمية،لذا يرى علامة، ان هذا التقرير في هذا الوقت هو للإستثمار السياسي فقط.