بقلم الدكتور نبال موسى
كانت باريس قد أصبحت بعد انطلاقة الحرب اللبنانية عام 1975 وحتى نهايتها أشبه بعاصمة عربية. فقد انتشرت فيها وسائل الاعلام العربية من صحف ومجلات مختلفة، وافتتحت عشرات المطاعم والنوادي الليلية التي أخذت تستقدم العشرات من كبار المطربين والفنانين ليقدموا فيها وصلاتهم الفنية. ولا أخطيء إن قلت إن 90 بالمائة من المطربين والفنانين العرب جاؤوا للعمل في مطاعم ونوادي باريس العربية، حيث كانت دولارات الفورة النفطية، ولسنوات طويلة، تكرج كرجاً الى جيوب المطربين والمطربات والراقصات بمئات الآلاف يومياً. وقد علمت في أحد الأيام، وكنت مدعواً من أحد الأصدقاء إلى نادي ” بيروت ” الليلي حيث كان يغني أحد كبار المطربين، أن مليونيراً عربياً أعطى في ذلك اليوم المطرب الذي لا داعي لذكر اسمه 25 ألف دولار، بعد أن استمع اليه أقل من نصف ساعة وغادر. وأذكر أنني في تلك الليلة رأيت لأول مرة في النادي الليلي نفسه الممثل العالمي المرحوم عمر الشريف قبل أن أراه مرة ثانية في كازينو دوفيل يلعب على أكثر من طاولة في نفس الوقت، وهذا ما نرويه ربما في يوم من الأيام.
المهم أنني كنت أعتمد بالطبع على هؤلاء الفنانين واستضيفهم في برنامجي الاسبوعي ” نجم على الهواء” عبر إذاعة الشرق التي كنت أسستها مع الزميل رغيد الشماع، وأظن انني استضفت لا أقل من 70 منهم.
التقيت ذات يوم من العام 1985 على ما أذكر الملحن الكبير المرحوم محمد الموجي، وأخبرني أنه كان قادما من ألمانيا حيث أقام دعوى قضائية ضد أحد الألمان الذي سرق لحنا من ألحانه. وبالطبع، أجريت مع الموجي مقابلة لطيفة على الهواء، وطلب مني بعدها أن نبقى على اتصال حيث أنه بقي فترة في العاصمة الفرنسية فالتقيته اكثر من مرة.
في ذلك الوقت، كان أحد الزملاء مراسلا لتليفزيون العراق، وعلم بعلاقتي مع الموجي، فطلب مني التوسط لديه لأجراء مقابلة للتليفزيون العراقي. كلّمت الموجي في الأمر فوافق، وسألني: كم أطلب منهم لقاء هذه المقابلة؟ وكنت أعرف أن مكتب التليفزيون العراقي في باريس لا يملك الامكانات المالية بسبب ظروف الحرب مع أيران التي كانت مستعرة في ذلك الوقت، فقلت له: أنت تعرف ان العراق في حرب، وأن ظروفه المالية صعبة و…لم يدعني الموجي أكمل كلامي وقال: “خلاص، حاضر، ببلاش” فشكرته على نخوته وتفهّمه، وتمت المقابلة. وقد أهداني الموسيقار الكبير فيما بعد شريطا خاصا عليه تسجيل رائع بصوته وعوده لأغنية للصبر حدود التي هي من الحانه طبعاً. وللأسف، تركت الكاسيت في أحد أيام شهر آب الشديدة الحر على مقعد سيارتي، فذاب الشريط وذاب معه صوت وعود الموجي.
كان الموجي في رأيي مع كمال الطويل ومحمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب من بين أعظم ملحني العالم العربي، رحمهم الله جميعهم.