على وقع اشتداد الأزمة السياسيَّة والاقتصاديَّة والماليَّة والاجتماعيَّة، يأتي موسم الصيف الذي يعوِّل عليه اللبنانيون، ويبنون الآمال بأن يمنح وطنهم المنكوب جرعة حياة.
هذا الموسم أعدَّ له المعنيون بالقطاع السياحي، ولاسيما وزارة السياحة، بشعار “أهلا بهالطلة”، مع إعلان ترويجيٍّ وأغنية حماسيَّة، تظهر أماكنَ وآثارًا تجذب أنظار السيَّاح والمغتربين العائدين على قطار الحنين.
ولكن، ماذا فعلت الجهات المعنية والبلديات والجمعيات، كي تواكب هذه الحملة الترويجيَّة، فلا يأتي السائح والمغترب ويفاجآن بما يخالف التوقُّعات ويرسم علامات من الخيبات؟
“أهلا بهالطلة”؟…والقادم إلى لبنان، قبل أن تحطَّ طائرته في المطار، يعمي الغبار والضباب الناتج من المولِّدات عينيه عن رؤية بيروت؟
“أهلا بهالطلّة”؟…والمتوجِّه من المطار إلى المكان الذي يقصده، يتيه في أنفاق لا ضوء فيها، وطرقات تأكلها الحفر، فيكون عرضة لحوادث سير في أيِّ لحظة؟
“أهلا بهالطلَّة”؟…وعلى أرصفة الأوتوسترادات والطرقات أكوام للنفايات تشوّه وجه العاصمة والمدن والبلدات، ولم توجد لها حلول منذ عقود؟
“أهلا بهالطلّة”؟…واللبنانيُّ مصاب، منذ ما قبل جائحة “كورونا” وما تلاها من أزمات، بحال من القلق الوجوديِّ بفعل انهيار العملة الوطنيَّة، في مقابل الارتفاع الجنونيِّ لسعر الدولار، وما يترتَّب على ذلك من فقدان أبسط مقوِّمات العيش، عدا عن تكاليف السكن والمدارس ومولِّدات الكهرباء، والأشدّ قسوة ورعبًا أسعار الطبابة والاستشفاء والدواء؟
“أهلا بهالطلّة”؟…ولبنان بلا رئيس جمهوريَّة، والمَرافق العامَّة شبه جامدة في ظلِّ حكومة تصريف أعمال، والمؤسَّسات تعاني من إضرابات ومطالبات بتحسين الرواتب التي تآكلت في معظمها، فلم يبق إلَّا الأجهزة العسكريَّة والأمنيَّة صامدة في وجه الرياح العاتية، تعضُّ على جراح “القِلَّة” والعوز، وانعدام التجهيزات، وتهالُك الرواتب للضباط والعناصر، بحيث يصدق عليهم القول أنَّهم يقومون بمهامِّهم باللحم الحيّ؟
لا أقول هذا توهينًا للجهود المبذولة من أجل إنعاش السياحة والاقتصاد، ولا تنفيرًا للسائح والمغترب ودفعه إلى تغيير وجهته، لا بل العكس تمامًا، أقول هذا تحفيزًا للمعنيين كي يسارعوا إلى إيجاد حلول لهذه المشكلات المتفاقمة، بعيدًا عن النكد السياسيِّ، والتجاذبات المصلحيَّة، وحرصًا على أن يكون هذا الموسم مبشّرًا بمواسم أفضل، فيغادرنا المغترب وهو أكثر التصاقًا بجذوره، ويغادرنا السائح وهو راغب في العودة مجدَّدًا، لا بل يشجِّع مواطنيه على المجيء، فيكون هو أيضًا مشاركًا في حملة الترويج السياحي للبنان.
عسى أن يصل الصوت، ولعلَّ هناك من يسمع.
خضر حيدر