أمس الثلاثاء [٣/٢١] كان اليوم الذي يُزهر فيه «فصل الربيع» في كل عام، وهو «أنبل الأيام»، لأنه يوم «الوفاء» للأم، فهو يختصر ويرمز إلى البر والإحسان إلى «الأم الصالحة» طوال العام، مؤكّداً على أن «الدنيا أم».. صحيح أنّ كلمة «الأم» هي كلمة صغيرة، وحروفها قليلة، ولكنها تحوي أكبر معاني الحب والعطاء والحنان والتضحية، هي الصدر الحنون، وهي إحدى الطرق التي تُدخلك الجنة، فـ»الجنة تحت أقدام الأمهات»؛ أي بالتماس رضاهن، وإلقاء النفس تحت أقدامهن والتذلّل لهن، لأن «الأمُ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُُلى».
وفضل «الأم» ورد في القرآن الكريم في ثلاث عشرة آية: تدعو إلى الرفق بالوالدين وخفض جناح الذُل لهما، وعدم التلفّظ بما يغضبهما، ومنها قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً}[الإسراء: ٢٣- ٢٥].
كما ألمح القرآن الكريم إلى شدة آلام الحمل على الأم، كما في قوله تعالى {ووصّينا الإنسانَ بوَالِدَيْْه إحسانًا حَمَلَتهُ ًأمّهً كًرهًا ووَضَعتهُ كُرهًا وحملُه وفِصَالهُ ثَلاثُون شهرًا حتى إذا بلَغَ أشدّهُ وبلًغَ أربعين سَنَةً قال رَبِّ أَوْزِعْنِيأن أشكُر نِعمَتكَ التي أنعمتَ عليّ وعلى والَدَيّ وأن أعمَلَ صالحًا تَرضَاهُ وأصّلِح لي في ذُريّتِي} [الأحقاف: ١٥].
ومما جاء في الحديث الشريف عن فضل «الأم»، وطاعتها: «الجنة تحت أقدام الأمهات»، ووردت فيه روايات كثيرة، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، لذلك فهي تقوي بعضهما بعضًا، وهذا الحديث صريح في الحضّ على بر الأم والتواضع لها، وإلقاء النفس تحت أقدامها… وعن «أبي هريرة» في «باب من أحق الناس بحسن المحبة» رقم ٥٦٢٦، قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: « من أحق الناس بحسن صحابتي؟» قال له: «أمك»، فسأله ثم من؟ قال له: «أمك»، وسأله ثالثة ثم من؟ قال له: «أمك»، فسأله بعدها ثم من؟ قال له: «أبوك». -متفق عليه-.
وفي هذا السياق أشير إلى ما قاله «الإمام الحسن البصري» [توفي ٧٢٨م] حينما سئل عن سبب بكائه في جنازة أمه «يا إمام ما يبكيك؟» قال: «لا أبكي موتها، بل أبكي لأنه أُغلق عليّ باب من أبواب الجنّة».
▪ وإلى أحد أقوال «الإمام الشافعي» [توفي ٨٢.م]: في الأم حيث قال: «واخضع لأمك، وأرضها، فعقوقك إحدى الكبر».
ولتحديد يوم «٣/٢١» من كل عام للاحتفال بـ»البر والإحسان» إلى «الأم» قصة انطلقت من صحيفة «أخبار اليوم» [وهي من أكبر المؤسسات الصحافية في مصر والوطن العربي، أسسها عام ١٩٤٤ الاخوان «مصطفى أمين» (١٩٤٠- ١٩٩٧ )، و»علي امين»(١٩٤٠-١٩٧٦)، كما أسّسا جريدة يومية أسمياها «الأخبار» عام ١٩٥٢، وحاليًا جريدة «الأخبار» تصدر يوميًا من القاهرة، وعدد السبت الممتاز يصدر تحت اسم «أخبار اليوم»..].
وكان صاحب الفكرة النبيلة «مصطفى أمين» الذي يعتبر من أشهر الكتاب المصريين والعرب، وزاويته «فكرة» في جريدة «الأخبار» كانت من أشهر زوايا الكتاب المصريين، وكان قد وردت إليه رسالة من أمٍ تشكو جفاء أولادها، وسوء معاملتهم لها… كما زارته أيضًا إحدى الأمهات في مكتبه في صحيفة «أخبار اليوم» وحكت له قصتها: كيف ترمّلت، وأولادها كانوا صغارًا، وأوقفت حياتها على تعليمهم، وحينما كبروا هجروها وتركوها لوحدها!.
فما كان منه إلاّ أن اقترح في عموده «فكرة» تخصيص يوم في العام لـ»الأم» يكون بمثابة العنوان لكل التكريم لها طوال العام لأنّ الإسلام يحضّ على تكريم الأم، وبعدها انهالت عليه الرسائل مؤيّدة ومشجّعة لفكرته ومقترحة أن تكون البداية في ١٩٥٦/٣/٢١ يوم «الاعتدال الربيعي» وهكذا كان.
ومنذ ذلك التاريخ تحتفل مصر ولبنان ومعظم الأقطار العربية في هذا اليوم بتكريم «الأم الصالحة» إلاّ الجهلة بالدين الإسلامي الذين يحرمون هذا اليوم، ويعتبرونه بدعة.. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
وصحّح الإمام الأكبر «أ.د أحمد محمد الطيب» شيخ الأزهر الشريف، ما يدعيه هؤلاء الجهلة مؤكّدًا على أن: «الاحتفال بعيد الأم هو من المباحات، وليس محرّمًا، أو منهيًّا عنه، لقول الله تعالى {لا تسألوا عن أشياء} [المائدة: ١.١]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذروني ما تركتكم».. عن «أبي هريرة»، المحدث «ابن حزم»، المصدر «أصول الأحكام» ١/٤٠٦.
أما الإمام العلامة الفقيه «أ.د علي جمعة» عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، ومفتي مصر السابق، ورئيس اللجنة التشريعية في البرلمان المصري، فيقول: «الاحتفال بعيد الأم جائز شرعًا ولا حرج فيه، بل هو مظهر من مظاهر البرّ والإحسان المأمور بهما شرعًا على مدى الوقت».
من جانبه، قال «أ.د. فريد واصل» عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي مصر الأسبق، بأنّ «الاحتفال بعيد الأم ليس مخالفًا للشريعة، لأنه «لو قلنا بأنّ الاحتفال بعيد الأم بدعة لكان كل ما حولنا بدعة، لأنها لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإنّ عيد الأم ليس ببدعة».
وإن شاء الله تعالى سنحتفل بـ»يوم الأم الفاضلة» في يوم «٣/٢١» من كل عام جيلًا بعد جيل، لأن هذا اليوم هو «أنبل الأيام» وليس «بدعة»، ولأنه «مظهرٌ من مَظاهِر البرّ والإحسان المأمور بهما شرعًا على مدار الوقت، ولا داعي للنزاع والخلاف بخصوصه» -بحسب «دار الإفتاء المصرية»-.
▪ وبإذن الله تعالى ستبقى أجمل منادة في الوجود هي «أمي» بحسب الفيلسوف اللبناني العالمي «جبران خليل جبران» [١٩٣٢/١٨٨٣].3