ذكرت في المقال السابق سعة صدر المرحوم نبيل خوري ناشر مجلتي “المستقبل” و”ياسمين” حيث عملت عقداً من الزمن، فهو لم يبدِ أي اعتراض على نشرنا لجريدة حائط عفوية غير منظمة على حائط المكتب الذ
ي كنت أتقاسمه مع الزميل والصديق أنطوان عبد المسيح. لم يكن هدفنا الإتقان وحسن الكتابة والإخراج، بل كان المهم عندنا هو إن نعبّر عفوياً عما يخطر ببالنا مهما كان شكله أو أخطاؤه. وكنت أكثر “الكتاب” في هذه الجريدة، وأقول هذا كي أحيّد الزميل أنطوان عن تبعات وربما عواقب المنشورات والتعليقات اللاذعة، فلقد كان القسم الكبير من ” الرذالات” من “إنتاجي” و “إخراجي”!
أسمينا الجريدة “صحيفة العجائب الناطقة باسم المعجزات”. ووضعنا فوق العنوان على طريقة إحدى الصحف العربية: “صوت العرب في بلاد العجائب وصوت العجائب في بلاد العرب”.أما لماذا العجائب فلأننا كنا نشهد “من الداخل” عجائب وغرائب هذه المهنة الساحرة والخطيرة معاً.
كان العنوان يتغيّر من حين لآخر. وبما إن شعار مجلة “المستقبل” كان ” مجلة صانعي القرار في العالم العربي” فقد غيّرنا يوماً عنوان جريدتنا وجعلناه: “مجلة صانعي الفرار في العالم العربي”. وفي إحدى المرات غيّرنا العنوان أيضاً ليصبح: “صحيفة متلونة تصدر كل أسبوع بحلة جديدة حسب الظروف المالية”، وكنا بالطبع نغمز من قناة “المستقبل” ومن الصحف العربية الكثيرة التي صدرت في تلك الفترة وما لبثت أن توقفت بعد توقف التمويل وانتهاء المهمة.
وعلى سيرة الظروف المالية أدّت الفورة النفطية في السبعينات إلى تدفق كميات هائلة من البترودولار على جميع وسائل الإعلام العربي. وكنا نسمع ونعرف كم قبض هذا وكم دُفع إلى ذاك. وكان صدور موازنة المملكة العربية السعودية موعداً ينتظره الكثيرون على أحر من الجمر. وقد نشرتُ ذات يوم الإعلان المرفق بعد صدور هذه الموازنة وختمته بنوع من “العتابا
” تضمن كلاما جارحاً كما تلاحظون، لكن صدر نبيل خوي كان أوسع من البحر، فلم يبدِ ولا أية ملاحظة، حتى عندما علّقت الملصق المرفق حول عزف الأمير طلال بن عبد العزيز شقيق الملك.
كنا شباباً ونهزأ م
ن كل شيء. وكنا نسخر من مقالات كتّاب “المستقبل” الأشاوس أنفسهم ومن أساليبهم الإنشائية الطويلة التي يستطردون فيها قبل الدخول في صلب الموضوع، فشبهناها يوما بمسابقة الإنشاء في المدارس.
وكان في “المستقبل” باب اسمه “الملف / دراسات وقضايا”، فكتبنا يوما ساخرين : “البلف/ دراسات وخبايا”…
وعندما أنشأت “المستقبل” داراً للنشر أسمتها :” الناشرون العرب” كتبتُ أعلاناً على جريدة الحائط أُعلن فيه ولادة دار : “الناشرون عرض العرب”!
مع كثرة المجلات السياسية في ذلك الوقت اشتدت المنافسة بينها، فكانت كل منها تريد إظهار نفسها أمام القراء على أنها الأهم والأكثر شهرة. في تلك الفترة، فترة الفورة النفطية، كانت لقاءات المسؤولين الأوروبيين كثيرة مع الصحافة العربية، فكانوا غالباً ما يعقدون لقاءات جماعية مع عدد من الصحافيين للتحدث في أمر ما، فيلتقط هؤلاء صوراً تذكارية ثم يكتبون مواضيعهم مصوّرين الأمر وكأنه “انفراد” للمجلة و “سبق صحفي” لها، وهذا ما كنا نسخر منه دائماً في ملصقاتنا ونعبّر عنه مستنكرين.
رحم الله نبيل خوري.
(يتبع)
الصور: بعض ملصقات جريدة الحائط المشار اليها في المقال
.