بالنسبة للمغتربين والمستثمرين اللبنانيين، المملكة العربية السعودية، أكثر من مجرّد بلدٍ يعملون فيه لتحقيق النجاح والأرباح، فارتباط اللبنانيين بالشعب السعودي، يذهب أبعد بكثير من علاقات العمل، لأن الأخوّة والصداقة والروابط العائلية، تجمع بين اللبنانيين والسعوديين منذ عقودٍ طويلةٍ، وتترجم على أرض الواقع بمعاملةٍ خاصةٍ، وامتيازاتٍ تخصّ فيها المملكة اللبنانيين أجمعين، ومنها حريّة التنقل كأي مواطن سعودي على كامل أراضي المملكة، وحريّة العمل والاستثمار، وممارسة الشعائر الدينية لأي طائفة انتموا، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن اللبنانيين حالياً لا يحتاجون إلى تأشيرة لدخول أراضي المملكة العربية السعودية، التي أصبحت تمثّل التطّور والمستقبل الواعد للكثير من شباب لبنان، لا سيما أن وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، يهدف إلى تنمية الإقتصاد السعودي، ويريد خلق بيئة جذّابة وحيدة في بلده، وأن يجعل من السعودية جزءاً مساهماً في تنمية وحراك العالم على المستوى الإقتصادي، الحضاري والفكري، وقد تضاعفت معه الإيرادات، وأصبحت الميزانية أكبر ميزانية في تأريخ السعودية، وهو يعتبر أن أهمّ ميزة في السعودية، هي وجود نسبة كبيرة من الشباب في بنيانها الإجتماعي، هذا الشباب الذي يصفه بن سلمان، بالشباب الواعي والطموح والقوي، ويعتبره الطاقة والقوّة الحقيقة لتحقيق رؤية 2030، وهذا ما جذب الشباب اللبناني، الذي يبحث عن فرص للعمل وتحقيق طموحاته، بعد أن ملّ من التجاذبات السياسية والإهمال.
وبالعودة إلى التأريخ بين السعودية ولبنان، علاقةٌ امتدت لأكثر من ثمانين عاما”، فقبل الاستقلال إستعان الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، بالخبراء والمستشارين وأصحاب الفكر والرأي اللبنانيين، لبناء السعودية، واليوم يعتبر العديد من الديبلوماسيين السعوديين، أن مفتاح الحلّ لأزمة لبنان، يكون باللجوء إلى الفكر كقوةٍ قادرةٍ على الانقاذ والعودة إلى مفكري لبنان، من خلال الفكر والعقل للوصول إلى نقاطٍ مشتركةٍ تكون أسساً لحوارٍ بنّاء، لاسيما أن لبنان، جمع بطبيعته الخلّابة جمالاً، وبإنسانه قدرةً وذكاءً، فليس من المقبول أن تكون هذه حالته، وعليه ألّا يستسلم للظروف الراهنة، لأن الأزمات والحروب يصنعها “المحبطّون”، أما شعب لبنان، فيحمل معه أينما ذهب الأمل والطموح والعمل، هو الشعب الذي ينتشر أبناؤه في معظم دول العالم ويساهمون في ازدهارها، وقد عرفت المملكة العربية السعودية، ميزة الشعب فمنحته اهتماماً خاصاً وفتحت له باب الانخراط في المجتمع السعودي، فتعززت العلاقات اللبنانية السعودية، من خلال روابط عائلية جمعت بين الشعبين، وزادت اللغة العربية من تعميق العلاقات حتى أصبح اللبنانيون جزءاً من المجتمع السعودي، هذا وقد ساندت السعودية لبنان، في أبرز محطّاته التأريخية المصيرية، ففي سنة ١٩٤٣ دعمت السعودية استقلال لبنان عن فرنسا، وساندت الحكومة اللبنانية، وطالبت بإطلاق سراح الرئيس بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح بعد أن تمّ إعتقالهما، وفي سنة ١٩٥٢ افتتح الرئيس كميل شمعون، مرحلة التعاون الرسمي بين السعودية ولبنان.
فظهرت قوّة العلاقة بين المملكة العربية السعودية ولبنان، أثناء الحرب اللبنانية، فقد بذلت المملكة العربية السعودية، جهودا” جبّارةً ساندت فيها لبنان، وأصرّت على وقف القتال، وأطلقت مبادرات للسلام إنتهت بإتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية عام ١٩٨٩.
ساندت السعودية لبنان دائماً، وفي أحلك الظروف، ليس فقط عبر إستقبالها للبنانيين للعمل، إنما بإرسالها المساعدات للمجتمع اللبناني بكافة أطيافه…، وقد بلغت ذروة دعمها خلال عهد الرئيس رفيق الحريري، عندما قدّمت المساعدات الماليّة والإيداعات للخزينة.
ويعيش في السعودية اليوم حوالى الثلاثمائة ألف لبناني، يعملون وينتشرون في كل أنحاء المملكة، ويساهمون في الحركة الاقتصادية السعودية، وفي المجمتع السعودي، وتستمر العلاقات اللبنانية السعودية، على الرغم من التقلبات السياسية .
ويمكن القول أن ما يجمع بين لبنان والمملكة العربية السعودية، علاقات اجتماعية وفكريّة واقتصادية، مبنيّة على أسس متينة، لا يمكن أن تزعزها أي عوامل عابرة، وعلى هذه الأسس يمكن البناء لمستقبلٍ واعدٍ بين البلدين الشقيقين، تتضافر فيه جهود الفئات الشبابية وطموحاتهم، لمَ في ذلك خير البلدين الشقيقين.