لا تعني لي رحلتي العودة في الصيف والشتاء الخاطفتين لمئات ألوف المهاجرين من لبنان ظلماً وجوعاً وقرفاً من سياسيي بلدهم وهم عائدون نحو بقايا “الخيمة” اللبنانية الذليلة الحقيرة المكشوفة على الدنيا. لا تعني سوى شحذ العواطف والأشواق والخيبة المشوبة بالتحدّيات المذهبية الهائلة من كافة أبناء الطوائف الذين أضاعوا بقايا هوية لبنان الهائمة.
تعنيهم كثيراً، لكنها لا تعنيني لأن ثمارها ودولاراتها ومصاريفها التي تصل إلى أربع مليارات دولاراً أميركياً تصب لحشو أضلع وجيوب التجار والوكلاء الحصريين والفاسدين المرابعين عند سياسيين سبع من حيث عددهم وبضعة أحزابٍ وطوائف لا يؤلفون خمس سكان لبنان ديدنهم الثروات والأكاذيب والبطش وتغذية الهجرات الجديدة، وحشو شرايين بقايا الأهل والأقارب مزيداَ من الدموع الحبيسة والقهر و……إملأوا الفراغ بالفراغ أو بالصفات التي ترونها قبيحة ومناسبة جدّاً بالطاقم السياسي المتشبث بعنق لبنان.
أعترف بحيرتي المرضية الغنيّة والفكرية والوطنية المختصرة بإقامات بائسةومتحرّكة ومتحيّرة ومُربكة ومفيد أن يندلق الحبر فيها بصراحة مطلقة وقاسية:
الضياع والتسكع بين لبنان ولندن وباريسيجعل العالم غريباً يعجّ بالعجائب والغرائب والذئاب.
في زاوية لبنان ، يبدو واضحاً ومخيفاً موتك ب”موت لبنان” أو ذبوله المحقق حيال ظاهرة الإنحسار الشبابي وخصوصاً المسيحيالمعبّر عنه بهجرات متنوعة لأسرابٍ تُدير ظهورها إلى جهنم لبنان المنخرطة ديناصوراته بالشكل والمضمون والخطاب الحاد بألسنة رخوة بالإسلامياتوالمسيحيات والسنيات والشيعيات يتقاذفونها متعددة الرؤى والأنشطة والقوى الطموحة للإنفلاش ونبش الصراعات القديمة الجذور وتوليد العصبيات والصراعات “المخضوضرّة” في ارتدادات إجتماعية تهزّ جذور لبنان فتصل ارتجاجاته نحو المحيط والإقليم والعالم تاركةً تحوّلات بل سلاسل مدروسة من الإجتياحات الديمغرافية الكبرى عبر التدفقات الواسعة القريبة والبعيدة شرقاً وكأننا في زمنٍ زالت فيه الحدود نهائياً بين الدول أوذابت الجغرافيا وتمّ تمزيق جوازات السفر والإنتقال بين دول العالم وصار البعض يمخطون بالعلم.
لقد داهمت الدولة بضمورها الأجيال وسدّت أمامهم طرق تحقيق الذات وحتّى الإيمان بالإرتدادات عبر تبادل الإعتداءات السريّة على المقار الدينية وتحقير رجال الدين ورفع الحواجز المذهبية وحشو وسائل التواصل بقاذورات الأوصاف المتبادلة القبيحة. لا يسمح المقام طبعاً هنا بسرد حقائق هذه الظاهرة التي تجعلني أمام بني عثمان تتجدّد في المحيط حيث الهجرات نحو العرب وكانت مصر المتحولة جدّاًاليوم في طليعتهم.لا دواعٍ لسرد الأسباب والأحداث والأخطاء القاتلة والحروب القديمة والمتجددة التي أفرزها ويفرزها التاريخ السياسي للبنان وفيه وحوله منذ مئة سنة.
لنقل بصراحة أنّ زعماء المسيحيين وقادتهم وممثليهم ورجالهم وأولادهم وأحفادهم إن بقي الإعتراف بهم وبمن إنتقاهم قائماً على ندرته، قد لا يعنيهم هذا الكلام لأنهم غارقون بأموالهم وفسادهم وأحلامهم بكرسي رئاستهم الفارغة من المضامين كلّها، وهم غافلون كليّاً عمّا ينتظر مستقبلهم ومستقبل لبنان.
رحم الله ريمون إده فالمراكب الأميركية لن تعود مجددا قبالة الشاطيء.
المطارات شغألة وجاهزة اليوم وفي طليعتها طيران الشرق الأوسط.
في زاويتي لندن وباريس والعديد من عواصم أوروبا وفي رأسها إيطالية، لا يُفاجئك بالطبع الإنحسار المسيحي بل التدفّقات الإسلامية الهاطلة من أرجاء الدنيا لأنّ الدين أصبح مداناً هناك بعد النهضات الفكرية التي أعقبت الحربين العالميتين وتحوّلت الكنائس اليوم إلى متاحف ولأماكن للنزهات والسياحة والتراث وبيع الصور القديمة الغالية الأثمان.
يقف شابان عند زاوية من جادة السان جيرمان في باريس وأمامهم صندوق ضخم مليء بالكتب يقدمونها هدايا للمارة أعني القرآن الكريم بالعربية والفرنسية والإنكليزية وما عيهم سوى التأكّد من سحنتك أو سؤآلك عن اللغة التي تريد.
قال لي مسلم ليبي في لندن مشيراً إلى ذكوريته:” سنحرّر بريطانيا العظمى بهذا”.
لن أتقدّم أكثر في التعبيروالتفسير لأنّ الإسلاموفوبيا محنة العصر الغربي تُقيم اليوم في وسائد الطامحين إلى أي مقعد في برلمانات العالم أو رئاساته وحكوماته.