أزمات الطاقة والاقتصاد التي يشهدها العالم حاليا وما نتج عنها من مصاعب وتوترات فرضت نفسها بقوة على نقاشات جلسات «مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار» المنعقد حاليا في العاصمة السعودية الرياض تحت شعار «الاستثمار في الإنسانية-تمكين نظام عالمي جديد».
وتصاعدت أزمة الطاقة في العالم خصوصا أوروبا مع زيادة كبيرة في أسعار الغاز والكهرباء، وانخفاض إمدادات الوقود، بعد وقف روسيا إمداداتها منذ حربها على أوكرانيا في شباط الماضي.
كما يأتي المؤتمر -الذي افتتح في 25 تشرين الأول الجاري- في أعقاب تحذيرات قوية إلى دول أوروبا من شتاء قاس بسبب نقص إمدادات الغاز الطبيعي، مع تداعيات الحرب الروسية الجارية، بالإضافة إلى ما يعانيه الاقتصاد العالمي الذي لم يتعاف بعد من آثار كورونا بشكل كامل بعد، من ارتفاع معدلات التضخم في العديد من البلدان نتيجة اختلالات العرض والطلب ودعم السياسات أثناء الجائحة.
وفي ظل أزمة الطاقة العالمية، وتصاعد المخاطر جراء ذلك وبشكل خاص على القارة الأوروبية، شهد المؤتمر العديد من الأطروحات للخروج من أزمة الطاقة الحالية، والبحث عن بدائل جديدة يمكن الاعتماد عليها، فضلا عن تناول سبل إيجاد المنتج الأرخص حول العالم بالطاقة الشمسية، وأهمية تخزين الطاقة المتجددة.
وشهدت جلسات المؤتمر نقاشات بشأن الانتقال نحو «اقتصاد أخضر» في وقت أصبحت الطاقة المتجددة هدفاً رئيساً لدول العالم، وجعل الطاقة النظيفة اقتصادا وسوقا من المتوقع أن تنمو من 880 مليار دولار إلى ما يقرب من تريليونين بحلول عام 2030.
الاستدامة والطاقة المتجددة
بهذا الصدد يقول أمين الناصر رئيس شركة «أرامكو» وكبير الإداريين التنفيذيين فيها إن العالم يحتاج للعمل على وسائل الطاقة المتجددة والبدائل والهيدروجين، مؤكدا ضرورة العمل بتوازن كامل حيث إن البدائل المتاحة ليست على قدر عالٍ من الجاهزية.
وأضاف الناصر خلال المؤتمر أنه بعدما تخلص العالم من جائحة كورونا شهد زيادة بالطلب، ما أثر على سلاسل الإمداد، بينما فاقمت الحرب الروسية الأوكرانية الأمور لتتفاقم أكثر.
وأشار إلى أن النفط من السلع غير الدائمة، محذرا من انخفاض الاستثمار بالطاقة عالميا، حيث إن هذا الاستثمار لا يكافئ الطلب العالمي المتزايد.
وأوضح الناصر أن أرامكو السعودية أطلقت إستراتيجيتها الخاصة بالاستدامة والطاقة المتجددة التي تقوم على تقليل الكربون بنسبة 15% بحلول عام 2025 مقارنة بعام 2018، وتقليل 55 مليون طن عام 2025 من خلال الاستثمارات ورفع كفاءة الحلول القائمة على تقليل الكربون.
من جانبه، أكد وزير الخزانة الأميركي الأسبق ستيفن منوشن أن الاقتصاد جزء من الأمن الوطني، وأمن الطاقة أيضا جزء من الأمن القومي، فلابد من العمل على استقرارهما.
وتحدث المشاركون بالجلسة عن أولوية سياسات الطاقة، والتركيز على تيسير التكلفة، وأمن سلاسل الإمداد، بالإضافة إلى التغير المناخي، وارتفاع الأسعار وتحول بعض الدول من جديد إلى استخدام الفحم كوقود، والتحول إلى «الهيدروجين الأخضر».
وبهذا الصدد، أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن الحل بشأن أزمة الطاقة لا يأتي من دولة واحدة، بل يجب أن يكون من مشاركات مختلفة، كما يجب الاعتراف بالأزمة وعدم وضع سياسات تزيد في تعقيدها.
وأضاف بن سلمان أن الرياض تتواصل مع عدد من حكومات أوروبا بشأن الأزمة الراهنة، مشددا على أن السعودية ستكون المورد لكل من لديه احتياج.
وقال وزير الطاقة السعودي إن الجميع يتحدث عن ركود قوي، ومن المهم التحوط ضد الأسوأ، مضيفاً «علينا دائما الاستعداد للأسوأ بشكل مسبق».
وإلى جانب أزمة الطاقة العالمية، استعرضت العديد من جلسات المؤتمر حالة الاقتصاد العالمي الذي يشهد معدلات غير مسبوقة للتضخم وتباطؤ النمو، والتحذيرات من أن يتحول تباطؤ النمو إلى ركود، ليعيش العالم ما يعرف بـ «التضخم الركودي».