أصدر بنك عودة التقرير الاقتصادي عن الفصل الثاني من العام 2022 بعنوان «من أجل الانتقال من اتفاق على مستوى الخبراء إلى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي»، وجاء فيه:
لقد تخلّل النصف الأول من العام 2022 عددٌ من الأحداث الهامة في البلاد، وعلى الأخصّ إنجاز اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، وإنهاء الأزمة الديبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي وإجراء الإنتخابات النيابية وبدء العدّ العكسي للإنتخابات الرئاسية. وقد كانت لهذه التطورات آثار كبيرة على النشاط الاقتصادي مع أن تحدّيات ماكرو-نقدية جمّة تضغط على آفاق الاقتصاد اللبناني في ظلّ غموض سياسي- اقتصادي بارز بشأن الآفاق المستقبلية.
(1) القيمة السوقية للدين العام أدنى من إجمالي الناتج المحلّي للبلاد
تبيّن أرقام الدين العام التي نشرتها وزارة المالية أن الدين الإجمالي للبلاد بلغ 100.6 مليار دولار أميركي في نهاية شهر آذار 2022، أي بزيادة نسبتُها 3.5% مقارنةً مع مستواه المسجَّل في نهاية آذار 2021. ولكن، إذا اعتبرنا أن سندات اليوروبوند قد تسُدِّد بنسبة 15% وإذا قدّرنا الدين بالليرة اللبنانية وفق سعر «صيرفة» بدلاً من السعر الرسمي، تصبح القيمة السوقية للدين أقلّ من 10 مليارات دولار أميركي، أي أدنى من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد.
(2) تقلّبات هامشيّة لسعر الصرف في السوق الموازية خلال النصف الأول من السنة وارتفاع كلفة السيولة بالليرة جرّاء التدابير الإستثنائية لمصرف لبنان
(3) ارتفاع كبير لأسعار الأسهم نتيجة عمليات التحوّط، وأسعار اليوروبوندز تسجّل أدنى مستوياتها القياسية وسط غموض حكومي وإصلاحي
سجّلت سوق الأسهم اللبنانية ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار خلال النصف الأول من العام 2022، وذلك بخاصة نتيجة الارتفاع الكبير لأسعار أسهم سوليدير، فيما واصل المتعاملون في السوق إضافة أسهم عقارية الى محافظ موجوداتهم للتحوّط ضدّ الأزمات المالية. من جهة أخرى، سجّلت أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية أرقاماً قياسية دنيا جديدة في نهاية حزيران 2022، وذلك بخاصة نتيجة القلق العائد الى فراغ سياسي قد يمتدّ حتى الانتخابات الرئاسية، والخشية المتزايدة من عدم قدرة البرلمان الجديد المشرذم على إقرار قوانين إصلاحية رئيسية تُعدّ شروطاً لا بدّ منها لتحرير المساعدات المالية الدولية التي يحتاج اليها للبنان.
(4) تسعة شروط مسبقة لعقد اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي
إنّ إقرار برنامج شامل مع صندوق النقد الدولي يعتبر أمراً ملحّاً ومحورياً كونه السبيل الوحيد لإخراج لبنان من خضمّ أزمته الاقتصادية والمالية المستفحلة. فبعد توصل الحكومة إلى «اتفاق على مستوى الخبراء» مع صندوق النقد الدولي، يبرز التحدي الأكبر في تلبية السلطات اللبنانية لمتطلبات صندوق النقد من اجل ابرام اتفاق نهائي مع مجلس إدارة الصندوق يفتح الباب نحو الحصول على التسهيلات المباشرة ويحفز كذلك الدول والجهات المانحة بشكل عام.
(5) تحدّيات تتعلق بالتشريع والاستحقاقات السياسية في الأفق
نحن إذ نتمنى إقرار جميع هذه المتطلبات في المستقبل القريب، لكننا نعلم أن ذلك ليس بالأمر السهل، لا سيما في ظل تشرذم البرلمان الحالي. لقد أسفرت الانتخابات النيابية عن ولادة برلمان مشرذم الى حدّ كبير، لا يكسب فيه أي فريق صفة الغالبة وتظهر فيه تعددية في الكتل والنواب المستقلين. ورغم ان هذا الواقع الجديد يعد أمراً جيداً على مستوى الرقابة والمساءلة، إلا أنه في الوقت عينه يدلّ على صعوبة التوصل الى اتفاق حول الاستحقاقات السياسية الكبرى والتشريعات اللازمة بشكل عام.
الخاتمة: التحديات للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي
إنّ إقرار برنامج شامل مع صندوق النقد الدولي يعتبر أمراً ملحّاً ومحورياً كونه السبيل الوحيد لإخراج لبنان من خضمّ أزمته الاقتصادية والمالية المستفحلة. فبعد توصل الحكومة إلى «اتفاق على مستوى الخبراء» مع صندوق النقد الدولي، يبرز التحدي الأكبر في تلبية السلطات اللبنانية لمتطلبات صندوق النقد من اجل ابرام اتفاق نهائي مع مجلس إدارة الصندوق يفتح الباب نحو الحصول على التسهيلات المباشرة ويحفز كذلك الدول والجهات المانحة بشكل عام. وتتمحور هذه المتطلبات حول نقاط تسع هي كالتالي:
* إقرار الحكومة لخطة إعادة هيكلة المصارف من أجل معالجة معضلة الخسائر داخل القطاع المالي. (مسؤولية الحكومة)، وهي أقرت في جلسة الحكومة الأخيرة في 20 أيار قبل أن تتحول الحكومة الى حكومة تصريف أعمال، علماً ان الخطة أثارت العديد من التحفظات والانتقادات في الداخل اللبناني، لاسيما من قبل الهيئات الاقتصادية والمصارف والنقابات. وتتمحور التحفظات حول نسبة الاقتطاع الملحوظة التي تعتمدها الخطة وعدم تحميل الدولة الجزء الأساسي من الخسائر رغم انها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية نتيجة تعثرها.
* مصادقة مجلس النواب على قانون طوارئ لإعادة إحياء المصارف ولكي يستعيد القطاع المصرفي عافيته (مسؤولية البرلمان)، وهي تعتبر الخطوة الأكثر تعقيداً لما تحمله من تحديات في ظلّ الخسائر الجمة في القطاع المالي والتي تقدر بما يقارب 73 مليار دولار.
* تقييم لوضعية أكبر 14 مصرفا في لبنان كل على حدة عبر توقيع تفويض مع مؤسسة دولية مرموقة (مسؤولية مصرف لبنان). وقد أطلقت السلطات المعنّية محادثات مع مؤسسات عالمية في هذا الخصوص، علماً ان هذا التقييم ليس بالمهمة السهلة في ظلّ إدارة المصارف لثلاث ميزانيات مختلفة: الميزانية بالليرة والميزانية بالدولار المحلي والميزانية بالدولار النقدي. في جميع الأحوال، يجب أن يستند التقييم على نموذج CAMELS والذي يعتمد على تحليل نسبة كفاية رأس المال، ونوعية الموجودات، وكفاءة الإدارة، والعائد، والسيولة، والحساسية لمخاطر السوق لكل مصرف.
* إقرار مجلس النواب قانون تعديل السرية المصرفية (مسؤولية البرلمان)، علماً ان الحكومة تقدمت بمشروع قانون الى مجلس النواب في هذا الخصوص في أواخر نيسان، وأقر البرلمان قانوناً في هذا الخصوص في أواخر تموز 2022، وهو تطور أساسي في سبيل تحسين الشفافية والحوكمة وقواعد الامتثال.
* الانتهاء من التدقيق في الوضعية الخارجية لمصرف لبنان (مسؤولية مصرف لبنان)، علماً ان الحكومة التزمت في مذكرة السياسات المالية والاقتصادية MEFP بإتمام هذا التدقيق قبل نهاية تموز. وهذا مطلب لكل البلدان التي تلجأ الى تسهيلات من قبل صندوق النقد.
* إقرار الحكومة لخطة متوسطة الأمد لإصلاح المالية العامة وإعادة هيكلة الدين العام (مسؤولية الحكومة)، وهي تقع على مسؤولية الحكومة الجديدة المنتظرة.
* مصادقة مجلس النواب على قانون موازنة العام 2022 لإعادة إرساء الانتظام المالي (مسؤولية البرلمان)، علماً ان هنالك العديد من التساؤلات حول أسباب عدم إقرار البرلمان لمشروع الموازنة رغم ان الحكومة أحالته الى مجلس النواب في نهاية شباط المنصرم.
* توحيد سعر الصرف من قبل السلطات المعنية (مسؤولية الحكومة ومصرف لبنان)، وهو الامر الذي ليس بالأمر السهل في ظل وجود ستة أسعار صرف مختلفة معتمدة في لبنان اليوم.
* وضع ضوابط رسمية على التحاويل المصرفية (مسؤولية البرلمان)، علماً ان الحكومة تقدمت بمشروع قانون لمجلس النواب في هذا الخصوص في نهاية شهر آذار ولم يجر إقراره بعد، شأنه شأن نسخ عديدة أدرجت في البرلمان خلال السنتين الفائتتين ولم تقرّ.