لم تَرأَفْ بي… قالَت، وأنا لَحنٌ
كيفَ ؟! وأنتَ تؤكِّدُ على أنّ الطَّرَبَ أَقرَبُ الفنونِ الى أرواحِ الأنبياء ؟
لم تَرأَفْ بي… وأنا خَمرٌ فاضَ لَكَ على دَفعات
كيفَ ؟! وأنتَ تُصِرُّ على أنّ الخمرةَ تفقدُ سِحرَ الإستمتاعِ بها لَوِ ارتُشِفَت جَرعةً واحدة ؟
لقدِ استحدثتُ، لكَ، مِضراباً من ريشِ نَبْضي لِهَزِّ خطوطِ الأوتارِ، علَّكَ تُخرِجُ أنغاميَ من مَعاقلِها،
لقد كنتُ، لكَ، مَلّاحاً انطلقَ بكَ في رحلةٍ صوبَ روابي الجَمال، لأُريكَ أَبعدَ من نجمةِ الصّبح.
أنا السُكَّرَةُ التي لا تَذوب، فما بالُ أشعارِكَ، بي، يُزهِقُها المُرّ ؟؟
كنتَ تتلذَّذُ قصيدَتَكَ، أنا، بحواسِك، هائماً في رُقِيَّةٍ سحريّةٍ تُساوي فرحَ صيّادي اللُّؤلُؤ،
وابتكرتُ، لكَ، مواثيقَ لا قَبْلَ لها، فَلِمَ حلَّت في ذاتِكَ هويّةُ غيرِك ؟؟
إعتقَلتُ نفسيَ فوقَ خَشَبَتِكَ، مَشهديّةَ حُبٍّ عَرَّمَت لكَ نشوةً لم تُنكِرْها،
كنتُ، في كلامِكَ، النُّقوشَ المُرَصَّعَة، نُقوشاً من لَحمٍ ودَمٍّ ودهشةِ إبداع، حَوَّلتَني خَلفيّةً، وتَردادَ صَدىً،
لطالما قُلتَ إنّني نَبَّهتُكَ الى أنّ الجَمالَ موجود، وإنّ الألوهةَ خلقَتني رقيقةً منذُ الحَبَلِ بي، فلماذا صرتُ، لكَ، الأَبشَعَ مجلساً والأَثقَلَ حِملاً ؟
كنتُ، لكَ، من سُلالةِ المَلاحِم، تُصعِدُني الى سَقفِ السّماء، فلماذا أمَرتَ سوءَ طالِعي ليستدعيَني الى الجحيم ؟
كنتُ، لكَ، ينبوعَ نذائر، لم تَكتَفِ بالكتابةِ على صفحةِ جداوِلِهِ، بل رُحتَ تلتمسُ ما كان يُنبِئُكَ به،
وسلَّمتَ قلبَكَ لِوَحْيِهِ، فوطَّنتَهُ في مملكتِكَ أكبَرَ من قصرٍ، نقَشتَ في خدودِ عواميدِهِ خيالاً مُباحاً،
كان قَلَمُكَ فِيَّ حُرّاً، جريئاً، كَيَّفتَ صريرَهُ ليُطابِقَ آهاتِي، كتبَني مشاهِدَ أخّاذةً جعلَتِ الأُذنَ تَغارُ من العين،
كنتُ، لكَ، سِحرَ تَفَتُّحِ الزَّهر، ونَثْرَ عينِ الشّمس، وخمرةً لا تُقَدَّمُ إلّا في يومِ عرس، فأّذبَلتَني وصِرتُ كأنّ مَلاحةَ الدّنيا سُرِقَت مِنّي،
كنتُ، لكَ، مِسكَ الأنغام، وعَبَقاً لا تحتملُ تَنَشُّقَهُ نُحورُ العاديّين، ودُرّاً لا يَستدرجُ التّقييمَ لأنّه الكَمالُ في القيمة،
فصيَّرتَني، في مجالِكَ، من قبيلةٍ مهجورة،
كنتُ، لكَ، شكلاً بديعاً من أشكالِ التَوَحُّدِ بينَ الحُسنِ وظِلِّهِ، وأَتقَنتَ إخفائيَ خوفاً من حَسَد، حتى لا تَحدُثَ هزَّةُ الإعجابِ إلّا لكَ، وهذا من قَبيلِ العِشق،
كنتَ سوّاحاً في المساحةِ بين حلاوتي وبين حناني، هذه التي لا يلحقُ بها لاحِقٌ إلّا أنت، ولا تتجاوبُ مع ثوبٍ إلّا ثوبَكَ، مَشَيتَ في مُروجِها الضّاحكةِ المَزاهرِ ورَضِيَت بوَقعِك، ولم تَعتَبْ عليكَ ولَو لِمَرّة،
قُلتَ إنّني عافيةُ الذَّوقِ لديك، ولولايَ لَعاشَ حِبرُكَ مجروحَ القلبِ طَوالَ عمرِه، ولَما استطاعَ التّحليقَ في جميعِ المسارحِ وكأنّهُ رَجُلُ كلِّ الأَدوار،
قُلتَ إنّني زَمنُكَ الصّافي، جوهرةٌ لا تُلقَطُ إلّا بالعَقيق، صورةٌ تنامُ على الضّوءِ بإمكانِها أن تتحوَّلَ إحساساً تُحسِنُ كتابتَه، غّيباً، ولذَّةً لا تتنازلُ عنها،
قُلتَ إنّ الإلهامَ يتبَعُني، وضعَ نفسَه في خدمتي، وله، بذلك، طَعمٌ آخر، وهو عابقٌ بالإبتكارِ لأنّ ريشتَهُ من عَصَبي، فلماذا حوَّلتَني صَنَماً باهِتاً تنهشُهُ ريشةٌ وثنيّةٌ، تمدُّ سلاسلَها حولَ عُنقِهِ، وتجعلُ الموتَ يمدُّ له يَداً مُرَحِّبَة،
قُلتَ إنّ دَمَ الجَمالِ يجري في عروقي، وأنا من حَظاياه، صبيَّةٌ جاوَرتَ القمرَ كَرمى لها، فلماذا كَشَفتَني بتراجِمَ مُنكَرَةٍ بَشِعَة، واستنزَفتَ وِدّي، وطرَّزتَ لِحُسنِ عِشرتي إطاراً من شّوك ؟
يا حبيبي، بالرَّغمِ من أنّكَ أنهَكتَني وجعلتَني نزهةً فوقَ صَهوة، ستبقى، في ذاتي، حالَ الدّواةِ مع المَداد، وحالَ الدّهشةِ مع السِّحر، وحالَ الرّغبةِ مع العجائب…
ودُمت…….