مع اتساع الفجوة العلمية العالمية تزايد الإقبال على تعلم اللغات الأجنبية حتى وصلت إلى طغيانها على بعض اللغات القومية لعدد من البلدان نتيجة ظروف تاريخية سادت في هذا المضمار ، و لحركة تعلم اللغات الأجنبية و تعليمها بهذا القدر المُتسع رقعته التي تبدأ بالمدارس و تصل بلا نهاية للمعاهد و الجامعات و المراكز الثقافية و غيرها ، و تكمن أهم الأسباب و الدوافع التي تحدو هذه الأعداد الكبيرة من الناس للإقبال على تعلم اللغات الأجنبية تتجلى في مجال التعليم كونها مقرر مدرسي و في قطاع المال و الأعمال بغية السفر و كذلك إتمام الصفقات و بنود الاتفاقيات ، و عموماً يمكن التمييز بين نوعين من المُتعلمين فالأول هم أولئك الناس الذين يكسبون لغة أجنبية لأسباب علمية أو مهنية و هذا النوع يسعى إلى إجادة اللغة الأجنبية و اكتسابها بصورة نشطة و فاعلة جداً بغية التمكن من توظيفها علمياً و مهنياً ، و أما الفئة الثانية فتكتسب اللغة الأجنبية هواية و لذا فلا تسعى بالضرورة أبداً إلى إجادتها بشكل فاعل بقدر ما يهمها الحصول على معلومات و معارف حول تلك اللغة و ما تحويه من أدب و ثقافة ليس إلا .
يُؤدي تعلم اللغات الأجنبية كظاهرة ثقافية لها مقوماتها و دورها الحضاري وظيفة اجتماعية و بشرية تختلف إلى حد بعيد عن شروط التعلم التقليدية في شتى المجتمعات ، و يمكن لها أن تكون عاملاً مساعداً في مضمار التطور و قطاع التنمية لضرورتها المُلحة على سبيل المثال في ترجمة معظم الأعمال العلمية و الفكرية و الأدبية إلى اللغة المحلية إضافة إلى ميزة متابعة كل ما يستجد في العالم الخارجي من أحداث هامة في شتى الميادين و على مختلف الصعد و هذا بعينه ما ينشده كل مجتمع يريد أن يسلك بثقة طريق التطور الاقتصادي و الثقافي و حتى السياسي و الاجتماعي وصولاً لبصيص ضوء التحرر من براثن التخلف و التبعية ، و يُلاحظ المُتابع بدقة بأن تعليم اللغات الأجنبية كوظيفة نهضوية و تنموية و حيوية في عدد من البلدان يتم على حساب اللغة القومية التي يتراجع و يضمر دورها بشكل يوازي ضمور الاقتصاد و الثقافة الوطنيين و عليه فيجب أن يتزامن اكتساب هذه اللغات الأجنبية مع مساهمتها في إغناء الثقافة الوطنية و تطويرها لتستوعب فعلاً كل ما في العصر الحديث من معطيات علمية و ثقافية و فكرية .
من البديهي حاجة كل مجتمع إلى أناس يُجيدون لغات المُجتمعات المتطورة عالمياً فالإعلامي و الصحفي بحاجة لإجادة اللغات الأجنبية بصورة جيدة ليتمكن من مخاطبة الرأي العالمي بشكل ناجح بُغية كسر هالة الحصار الإعلامي المُخيف و المُجحف الذي تضر به كل ألوان و أطياف القوى المسيطرة على أي من تلك البلدان الساعية لشق طريق التحرر و التطور و القرار الحر ، و كذلك المجال الدبلوماسي أيضاً فهو يحتاج بطبيعة الحال إلى نخبة كوادر تُجيد لغات البلاد التي تعمل فيها لأن الشخص الدبلوماسي الذي لا يُتقن لغات التداول العالمية فهو كالمقاتل بلا سلاح ، و مع الاتفاق بالإجماع على الوظيفة الحضارية و الاجتماعية لتعليم اللغات الأجنبية في ظل الواقع الحالي المعروف بكل شجونه يُصبح الهدف الهام و التوجه العام هو في تدريب كوادر مميزة لإجادة بعض اللغات الأجنبية ليتسنى لها العمل في مختلف المجالات التي تقتضي حاجات المجتمع العمل فيها بمهنية مميزة و احترافية عالية .
د. بشار عيسى / سورية