إن صورة توزيع القوى التي أسفرت عنها نتائج تفكّك “الإتحاد السوفياتي” إشارة لانتهاء الوجود القانوني ل”دولة اتحاد الجمهوريات السوفياتية الفيدرالية الإشتراكية”، وقد حدث ذلك التفكك في ١٩٩١/١٢/٢٦، هي التي هيأت – وبميكانيتها ذاتها- إلى ظاهرة نسق دولي أحادي القوة القطبية “الولايات المتحدة الأمريكية”، [تجدر الإشارة ألى أن بريطانيا مابين ١٧٢٧ إلى ١٨٦٨ تقريبًا، حملت “ميزان القوة” في العالم آنذاك منفردة بدلًا أن تكون إحدى كفتيه]، بعد أن كان النسق الدولي ما بين ١٩٩١/١٩٤٥ “ثنائي النزعة القطبية”- واشنطن وموسكو-
وترتب على هذه الصورة[قوة القطبين الرئيسيين المتعاديين بحكم الموقع، والمتصادمين بحكم الأيديولوجية، إضافة إلى قوة اللاعبين من الدرجة الثانية أوروبا الغربية، واليابان، والعالم الثالث]، على هذا النحو هي المد الجغرافي لتنافس القطبين، وديبلوماسيًا، واستراتيجيًا، وإيديولوجيًا على السواء، أي قوتان قطبان، “إمبراطرية الدب” أو البر السوفياتية، و”إمبراطورية الحوت” أو البحر الأمريكية، ولهما الملامح التشكيلية، فكلاهما يتشكّل في دائرتين :” الكتلة”- bloc- اي الدائرة الثابتة لكل قطب دول، أو الحلف الذي يعمل في أوقات الحرب والسلام معًا بزعامة واشنطن”الحلف الأطلسي-الناتو-” ١٩٤٩/٤/٤ الذي جمع كل دول أوروبا الغربية، و” حلف وارسو”١٩٥٥/٥/١٤ الذي جمع كل دول أوروبا الشرقية[ماعدا يوغوسلافيا القديمة].
ومع تفكّك دولة الإتحاد السوفياتي منذ ١٩٨٨ واعلان وفاتها في ١٩٩١، أعلن من جانب آخر عن ولادة ١٥ دولة “أوروبية-آسيوية” هي[روسيا، بيلاروس، أوكرانيا،إستونيا، لاتفيا ليتوانيا، كازاخستان،قيرغيزستان، تركمانستان أوزبكستان، أذربيجان، أرمينيا،جورجيا، مولدوفا، طاجيكستان]، إضافة إلى دول أوروبا الشرقية التي منها ماحافظ على وحدته الجغرافية، ومنها ماتقسّم إلى دول قوميات جديدة.
ولقد كان هناك تأكيدات من واشنطن على أن هذه الدول لن تنضم إلى حلف الناتو، ولكن وفي عصر الضعف الروسي انضمت دول أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو، وهي :” بولندا ١٩٩٩، وفى عام ٢٠٠٤ انضمت كل من بلغاريا، واستوانيا، واستوانيا ولاتافيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينا، وفي ٢٠٠٩ انضمت كل من ألبانيا، وكرواتيا، وفي عام ٢٠١٧ انضمت دولة الجبل الأسود، وفي ٢٠٢٠ انضمت مقدونيا..وبذلك تم حصار “روسيا الاتحادية” في عقر دارها.. من قبل الدائرة الثابتة لواشنطن ” حلف الناتو”.
وبعدها تبلور اتجاه واضح من واشنطن لضم كلٍ من “جورجيا” و”أوكرانيا” إلى حلف “الناتو” لعزل روسيا الاتحادية تمامًا في مساحة جغرافية محدّدة [لتبقى ” واشنطن” وحدها حاملة ل”ميزان القوة” في النسق الدولي الأحادي القوة القطبية]، وهو ما عارضته روسيا باعتبار جورجيا وأوكرانيا “المجال الحيوى”لها، وأحبطت الحرب فى جورجيا ٢٠٠٨ ضمها للحلف، وبدأت منذ ٢٠١٤ بضم شبه جزيرة القرم، لإفشال عملية ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو،
وحاليًا تشكّل الحرب فى شرق أوكرانيا “العملية الرئيسية” لإفشال هذا المشروع تمامًا، وهو ما يعنى أن الطرفين “موسكو وواشنطن” سينتقلان إلى قواعد اشتباك جديدة، بدلًا من لعبة “شد الأطراف”، وفي رسم واقع عالمي جديد متعدّد القوى القطبية” واشنطن، موسكو، بكين” د، وهو ماترفضه – حتى الآن “واشنطن” ذلك هو جوهر الحرب في “أوكرانيا”.