حينما يفقد مجتمع من المجتمعات القدرة على التواصل العاقل، يكون ذلك “الإنذار ماقبل الأخير” على تحلّل هذا المجتمع -بحسب “بي إس أليوت”، الشاعر والمسرحي والناقد الأدبي الإنكليزي (١٨٩٨- ١٩٦٥) والحائز على جائزة نوبل للآداب ١٩٤٨-، وحينما تنتعش المصالح الضيّقة على العامة، والطائفية والمذهبية على حساب الوطنية، فإنّ هذا نذير خطر حقيقي يُحاصر أي وطن في المجتمع الدولي.
وهذا النذر الخطير يُحاصر الآن “الوطن” الذي كان اسمه “لبنان- الرسالة الحضارية”، وسويسرا الشرق”، بسبب “أزمة وجود” سياسية، نتج عنها إنهيار إقتصادي، وإعلان “لبنان الحالي” إفلاسه في آذار/ مارس ٢٠٢٠، في سابقة خطيرة في تاريخه،أجّجت التدهور الإجتماعي الذي يعيش فيه الآن، حيث باتت معه “المجاعة” داخل داخل بيوت اللبنانيين المظلومين المقهورين.
وفي ظل هذا (الجحيم الأرضي) الذي حوّل الربوع اللبنانية شبه الفارغة من الأخضر، وجعل هذه الربوع “غّثاء أحوى”، أي جعله هشيمًا يابسًا متغيرًا إلى الحُوَّة، وهي السواد من بعد البياض أو الخضْرة، من شدّة اليبس وتُعاني من اليابس الذي لا جدوى له، مع اشتداد رياح هلع “المجاعة” -(التي فاقت مآسي “مجاعة ١٩١٥- ١٩١٦” حتى الآن)- في الفقر الانهيار المالي التاريخي غير المسبوق، والذي أصبح لا سقف له، وجعلت ما تبقى من اللبنانيين “كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية”، أي تراهم “صرعى”، بعدما ضربتهم رياح “المجاعة السياسية”، فخرّوا ميتين على أُم رؤوسهم، فانشدخت رؤوسهم، وبقيت جثثهم هامدة كأنها -قامة النخلة- إذا خرّت بلا أغصان.
المطلوب إذن، ما قبل ان تعم “الفوضى الهدّامة” -“لبنان جائعون”-، والتي إن انفجرت لن يكون فيها “خطوط تماس”( كما كان حالها في سنوات الحرب القذرة السوداء ١٩٨٩/١٩٧٥)، القيام بمساهمات بعيدة عن المصالح الضيّقة، والطائفية والمذهبية، لتخفيف هذا الإحتقان الذي ما زال سياسيًا – إقتصاديًا حتى الآن- مع دق ناقوس الخطر الأمني المحدود، يُهدد أمن واستقرار هذا “ما تبقى الوطن” بـ”الإختفاء”..! وليس المقصود هنا طاولة “حوار الطرشان” التي دعا إليها صائب “أزمة الوجود السياسي”.
والقيام بهذه المساهمات هو لتخفيف هذه الأوضاع التي تقض مضاجع “اللبنانيين الطيبين” الذين تعبوا من حالتي “الخوف” و”الرعب” التي يعيشون تحت ظلال أتونها بقلق دائم منذ ٢٠١٨، والتي جعلتهم كـ”السكارى وما هم بسكارى”، لأن رزقهم وعيشهم صار كالسراب يسعون إليه ولكن حينما يصلون إلى بعثته لا يجدون شيئًا بل يجدون السراب يتجدّد.
وفي ظل هذا “الخوف” و”الرعب” الذي لا يصنع وطنًا، والذي يزداد بضغطه على “ ما تبقى من وطن و ما تبقى من مواطن”، وخصوصًا منذ التفجير الجهنمي لمرفأ بيروت التاريخي في ٢٠٢٠/٨/٤، وتردّدات هزّات زلزاله الفاجعة، في ظل هذه الظروف الدقيقة والصعبة والتي يقف فيها “لبنان الدولة الوطنية” على شفا حفرة: “أن يكون أو لا يكون” بلغة الأديب والروائي الإنكليزي العالمي “شكسبير” (١٥٦٤- ١٦١٦).
من يكسب الرهان الآن على مستقبل “لبنان الحالي” المأزوم؟
كثيرة هي الاحتمالات، وفي مقدمها هذان الاحتمالات :
▪︎ أولهما: خيار الأمن والأمان والاستقرار مع “الدولة الوطنية اللبنانية” على أسس القانون الدستوري رقم ١٨ الصادر في ١٩٩٠/٩/٢١، أي دستور ١٩٩٠.
▪︎ وثانيهما: فلتان “الفوضى الهدّامة”، في ظل هذه الأجواء المشبّعة ب” الخوف” و”الرعب” التي يعيشها “لبنان الكبير” -حتى الآن-، في حال القتل عمدًا وعن قصد، ل”إتفاق الطائف”(١٩٨٩/١٠/٢٢) بسابق تصوّر وتصميم، وهو الذي كان قد عبّد كل الطرق لولادة دستور ١٩٩٠ “المغيّب” حتى الآن، وهذا ماسيؤدي إلى إحدى هذين الاحتمالات:
▪︎ أولهما:.”الفدرلة” مع أن كل شروط قيامها لا تنطبق على “لبنان الحال”- بل يتحدثون عنها دون أن يفهموا ماذا تعني-، وهذا ما أشرت إليه في قراءة أمس.
▪︎وثانيهما: هو الإنفصال الذي طالب به المتشددون منذ ١٩٧٥ بقولهم:” فإما أن نطمئن على عدم الإقصاء عن الحكم، وإذا تعذّر ذلك لسبب أو لآخر ،فمعناه أن التقسيم هو الطريق الوحيد للاطمئنان”- وكان ذلك في ١٩٧٨/١١/١٨-.
يحيى أحمد الكعكي