إن الكرامةمصداقية، والمصداقية واجب، والواجب مسئولية، والمسئولية أن يحترم السياسيون كرامة الوطن، وحقوقه عليهم، وخير عام الوطن في الداخل، ومصالحه القومية المشروعة خارجيًا.
من هذا المنطلق، يكون “الحاكم” لأي “دولة وطنية”جديرًا بالاحترام في نظر شعب هذه الدولة، في “العقد الإجتماعي” -أي الدستور- مابينهما، الذي طرفاه الشعب والحاكم، فاذا أخلّ أحدهما به يحق للطرف الآخر القيام بتصحيح الوضع الاجتماعي السياسي.
ونظريةُ “العَقْد الاجتماعي” تعود للفيلسوف السياسي الفرنسي النهضوي الشهير(١٧٧٨/١٧١٢)، والتي ضمنها مؤلفه الاجتماعي السياسي “العقد الاجتماعي” الصادر في عام ١٧٠٢، حيث أكَّدَ فيه على حريةِ الشعوبِ في الاختيارِ وتقريرِ مَصيرِها، وأنَّ هناكَ عَقدًا بينَ الحاكمِ والمَحكوم يجب احترامه.
وصاغ نظريته حول أفضل طريقة لإقامة “المجتمع السياسي” في “الدولة الوطنية المدنية” في مواجهة مشاكل المجتمع، وكان مؤلفه مصدر إلهام لبعض الإصلاحات السياسية أو الثورات في القارة الأمريكية الشمالية “الثورة الأمريكية” ١٧٧٦ ضد المستعمر البريطاني -في الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا، وكأن عددها آنذاك ١٣ ولاية-، وفي أوروبا وخاصة “الثورة الفرنسية الكبرى” ١٧٨٩؛ أو ثورة الخبز؛ وقبله ظهر العديد من المفكرين والفلاسفة الذين عملوا على إيجاد “ميثاق شرعي جديد” يحكم العلاقة بين الطرفين، وكان من بين هؤلاء المفكرين الذين سعوا لإيجاد هذا الميثاق الفيلسفوان الإنكليزيين “توماس هوبز” (١٦٧٩/١٥٨٨)، و”جون لوك”( ١٧٠٤/١٦٣٢).
وإذا كان أي إنسان يعتبر نفسه ولد الإنسان حر”ا، وما يقوله يُعبر عن هذه الحرية، حيثما كان، ويظن نفسه سيد الآخرين، وهو مانفك أكثرهم “عبودية” بهذه الفكرة، وردًا على هؤلاء يؤكّد “روسو” في “العقدالاجتماعي” أو “مبادئ الحق السياسي”، على أنه إذا كانت الحرية فطرية في الإنسان، في ” حالة الطبيعة، فإنها في “حالة المجتمع” لم يعد للحرية المعنى نفسه الذي كان لها في حالة الطبيعة، إذ تحوّلت من طبيعية إلى مدنية.
من هنا نشير إلى أن المواطن هو مسؤول في كل مايقوله، لأن الاحترام للوطن، وخيره العام في الداخل، ومصالحه القومية المشروعة في الخارج، وهذا الاحترام هو تاج للواجب والمسئولية.
وإذ تزداد قناعتي رسوخًا في كون الاحترام للوطن، كقيمة أساسيةـ تنبثق بالضرورة من صون كرامته، لأنها واجب وطني ومسؤولية وطنية، ولأنها احترام للنفس، عبر وضعها دائمًا على مسافة حقيقية من “منطق الوطنية”، غير النابعة من المؤثرات العاطفية والحزبية والطائفية والمذهبية والمناطقية، والإيديولوجية الضيقة.
وهذا كفيل، في نظري، بجعل الأفعال والتصريحات والخطابات تقترب على الأقل من المصداقية والمسئولية، وذلك ما يقودنا في آخر المطاف إلى كرامة الواطن ومصداقية المُواطن.
نعم “كرامة الوطن” مجد يأتي نتيجة عقل “حاكم” مستقيم وجاد وصاحب حياء وغير إلغائي، ومواطن صاحب مصداقية، يُقدم كرامة الوطن، ومصيره الوجودي، على كرامته الشخصية، ووجوده الشخصي.