في ٢٠٢١/١٠/٧ أعلن الرئيس الأمريكي “جورج بوش الإبن” الحرب على أفغانستان، بداعي أن القاعدة التي فجرّت يوم الجحيم في الولايات المتحدة ٢٠٠١/٩/١١، معقلها هو أفغانستان.. وقال بعد عدة أيام : “بجهود جيشنا وحلفائنا والمقاتلين الأفغان الشجعان وصل حكم طالبان لنهايته”.
وأضاف: “لكن مسؤولياتنا تجاه الشعب الأفغاني لم تنته بعد، نحن نعمل على عهد جديد من حقوق الإنسان والكرامة الانسانية”، وعقّب مؤخرًا على قرار سحب الجيش الأمريكي وقوات الناتو من أفغانستان واصفًا ذلك بـ”الخطأ”، مضيفًا “أن العواقب ستكون وخيمة جدًا”.
وبعد مرور عشرون سنة، وهي أطول فترة لحرب أمريكية خارجية حتى الآن أنهى الرئيس الأمريكي “بايدن”ظ هذه الحرب، بعد أن وعد في برنامجه الإنتخابي على الإنسحاب منها، وعاد وذكّر في الذكرى العشرين على أن الانسحاب كان سيكلّف أمريكا ٣٠٠ مليون دولار كل يوم، وتساءل هل يغزو كل دولة تسيطر عليها ؟.
ويمكن القول في هذا السياق أن الرئيس الأمريكي “بايدن” وبالرغم من أنه احطاط للأمر، إلّا انه لم يستفد من درس الحرب الأمريكية في فيتنام ، بعدم التعامل معها على أنها مرض يسمى “متلازمة فيتنام”، بل الدرس فى أن الحرب عمل غير أخلاقى.
لأن الولايات المتحدة الأمريكية بكل قواتها العسكرية، وثرائها الهائل، وحُلفائها الأوروبيين فى حِلف الأطلسى (الناتو) لم تستطع القضاء على تنظيم طالبان، لا فى يوم، ولا فى أسبوع، ولا فى شهر، ولا فى سنة، ولا في عشر سنوات، ولا في عشرين سنة.
وعلى مايبدو أن الرئيس “بايدن”، قد تلقى هزيمة لم يكن يتوقعها، وهي تتشابه مع هزيمة الاتحاد السوفياتي، الذي أجبرته “طالبان” على الإنسحاب دون نصر من بلادها عام ١٩٨٩ بعد تسعة أعوام من القتال ، وها هى تُجبر القُطب العالمى الأقوى على انسحاب مُماثل دون نصر.
ولكن ، إذا كانت هزيمة ١٩٨٩ للسوفيات في أفغانستان ، قد عجّلت بسقوط الاتحاد السوفياتي القديم ، الّا انه يمكن القول أن النظام الأمريكى لديه مناعة داخلية ضد السقوط كالذي حدث للاتحاد السوفياتي القديم قبل ثلاثين عامًا، إلًا أن زلزال كابول أضعف الولايات المتحدة المتحدة ثقافيًا وسياسيًا .
وهذا يعني أن هذا الإنسحاب غير المنظّم أو التسليم لطالبان، هو في حقيقة أمره هزيمة كبرى ، وأن الأمر الواقع الآن في الداخل الأمريكي هو تجاوز الآثار السلبية لهذا الإنسحاب ، والعمل على منع ظهور التهديدات الأمنية داخل أفغانستان والتى يمكن أن تنتشر إقليميًا وعالميًا، مثلما شهدنا فى العراق وسوريا المجاورة مع صعود “داعش” فى ٢٠١٢-٢٠١٤، أي من الممكن فى الوقت ذاته أن تتغير الديناميكيات الأمنية بشكل كبير عندما تكون السلطات الحاكمة ضعيفة أو منقسمة أو يسيطر عليها فصيل معينًا.
وفي هذا السياق قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية المؤيدة للحزب الديموقراطي الحاكم :” إن المرحلة الأخيرة الفوضوية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان قوّضت الصورة التى رسمها الرئيس جو بايدن لما ستكون عليه رئاسته، حيث روّج لنفسه باعتباره رئيسا متعاطفًا يولى اهتمامًا خاصًا بالحقوق ويتحلى بخبرة عميقة فى شؤون السياسية الخارحية،”.
وعليه يمكن القول أن المتأسلمين السياسيين باتوا يدركون الآن فى أعقاب الانسحاب الأمريكى من أفغانستان أن التدخل الأمريكى يأتى مع تاريخ انتهاء الصلاحية، إذا استطاع التمرد أن يستمر لمدة ١٠ او ١٥ او ٢٠ سنة، فيمكن أن يطمئنوا إلى أن السياسيين الأمريكيين سيفقدون الرغبة فى الحرب ضد الإرهاب المُعوّلم الذي كان لا دين له ولا وطن ولا عنوان، قبل ٢٠ سنة،صار له بعد ٢٠ سنة عنوان هو “الإمارة الإسلامية” في أفغانستان.