في إطار سلسلة من الندوات حول موضوع اللامركزية الإدارية،نظمت جامعة الروح القدس- الكسليك الندوة الشبكية الثانية بعنوان “التنمية الاقتصادية” عبر تطبيق Microsoft Teams، وقد شارك فيها الخبير في الحوكمة والسياسات العامة وممثل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان DRI الدكتور أندريه سليمان، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية ومستشار مرصد الأزمة في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور خليل جبارةورئيس اتحاد بلديات كسروان- الفتوح ورئيس بلدية جونيه جوان حبيش. وأدار النقاشالصحافي داني حدادمعطياً الكلام للمشاركين.
سليمان
اعتبرالخبير في الحوكمة والسياسات العامة وممثل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان DRI الدكتور أندريه سليمان أنّ “موضوع اللامركزية بات يستحوذ حالياً على أهمية أكبر في ظل الانهيار الحاصل وغياب أي خطة لإدارة الأزمة. وهو ليس بموضوع جديد، بل يعود تاريخه إلى العام 1929، وتطور مفهومه عبر السنين، وذُكر في البيانات الوزاريةلربط مختلف الأطراف بالعاصمة لبناء الوطن وبناء الدولة الناشئة. ولكن بعد السبعينيات، أصبحت اللامركزية بين طرفين، طرف إداري وآخر سياسي، وصولاً إلى اللامركزية الإدارية الموسعة التي لحظها اتفاق الطائف. واليوم، يتكرر عنوان اللامركزية لأن الواقع قد أثبت وسط الأزمة المالية والنقدية والمصرفية والسياسية والاجتماعية، الفشل الذريع للنظام السياسي القائم منذ 30 سنة. إذ يكمن الحل في وجود مركزية قوية وتطبيق لامركزية إدارية موسعة مع بناء نظام سياسي لبناني، من دون أن يشكل التنوع الطائفي والمناطقي أي عائق أمام اللامركزية”.
ثم أشار إلى أنّ “لبنان هو أكثر بلد يضم عدد بلديات مقارنة مع مساحته، ولكن غالبيتها عاجزة مالياً. فأدعو إلى دمج البلديات لتفعيل دورها. ولابد من الإشارة إلى أنّ اللامركزية ليست عدو المركزية، إنما نحتاج إلى سلطة مركزية سليمة لها قضاء مستقل وشفاف لإرساء حكم القانون. وهكذا، تشكل السلطة المركزية أساس النظام اللامركزي الذي يستند بدوره إلى مبدأ تفويض السلطة وتكافلها، واستقلال إداري ومالي ضمن إطار ضريبي ومالي حر وشفاف، ورقابة ممكننة تمارسها أجهزة الرقابة المتخصصة مع مساهمة للقطاع الخاص. ويتوجب على السلطة المركزية أن تؤمن التدريب والتوجيه للكادر البشري. وعند تشكيل أي وحدة لامركزية، يجب الانطلاق من تقدير الموارد المادية والتقنية والبشرية لتغطية النفقات، وتقديم الخدمات الإدارية والتشغيلية الأساسية، إضافة إلى الخدمات الإنمائية والاستثمارية من دون تغليب المصالح السياسية والطائفية”.
جبارة
أما أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة اللبنانية الأميركية ومستشار مرصد الأزمة في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور خليل جبارة فلفت من جهته إلى”أنّ الصراع بين القوى السياسية في لبنان يحول دون تطبيق اللامركزية لأنها تخاف من دور البلديات الفعّال، حيث أنها تعتمد في قراراتها على المصلحة السياسية والتوازن الطائفي والمحاصصة وموازين القوى الانتخابية من دون أي مراعاة للأهداف التنموية.وقد سرّع هذا التقهقر الاقتصادي والمالي وعدم قدرة السلطات المركزية على القيام بدورها، الذهاب نحو اللامركزية، فمثلاً بات يُطلب من رؤساء البلديات إيجاد حلول لمشاكل المواطنين، لاسيما فيما خص النفايات والمياه والصرف الصحي… وستشهد المرحلة المقبلة ولادة نظام جديد يقوم على اللامركزية”.
وتابع بالقول: “كثُرت خلال الأزمة الحالية مبادرات أهلية في عدة قرى لبنانية مع القطاع الخاص والاغتراب اللبناني لدعم البلديات، وبالتالي لمساعدة المواطنين في مشاكلهم اليومية. ومن شأن هذه المبادرات أن تعزز أكثر فأكثر مفهوم اللامركزية. وتكمن المشكلة الأساسية في لبنان في النظام القائم لذلك ينبغي التفكير بطرق خلاقة لإعادة البناء من أدنى المستويات إلى أعلاها مع إعطاء الأولويةللمحافظة على آخر السلطات التي تتمتع بالشرعية ألا وهي البلديات. ومع طرح اللامركزية، نسأل هل السلطات المحلية قادرة على تأمين الخدمات للمواطنين بشكل أفضل من الدولة؟ وهل هي قادرة على حل الخلافات بين القرى المجاورة حول كيفية تقديم هذه الخدمات؟ فنحن نتخوف من الانتقال من سلطة مركزية فاشلة إلى سلطة لامركزية فاشلة، ومن مركزية الفساد إلى لامركزية الفساد. وهنا، يبرز دور الانتخابات وهيئات المجتمع المدني والخبراء والإعلام للضغط باتجاهوضع نظام لامركزي عصري وعدم ترك الأمر حصراً للندوة البرلمانية الحالية”.
ثم عبّر عن “تفاؤله لجهة تطبيق اللامركزية في لبنانلأن الأزمة الراهنة وفساد الدولة المركزية قد عزز دور البلديات لإيجاد حلول مبتكرة للمشاكل. انطلق، إذاً، قطار النقاش في لبنان حول اللامركزية التي ستصبح حتمية خلال المرحلة المقبلة بالرغم من بعض العراقيل والمعارضة. ويشترط نجاح اللامركزية وجود أهداف تنموية وطنية يستفيد منها الجميع، اعتماد تطوير رقابي وإداري ومالي وتطبيق مبدأ الشفافية المالية”.
حبيش
فيما أشاررئيس اتحاد بلديات كسروان- الفتوح ورئيس بلدية جونيه جوان حبيش إلى “وجود إجماع بلدي على موضوع اللامركزية ووجود قانون بلدي صادر في العام 1977، لا نزال نعمل بموجبه، يكرّس هذه اللامركزية. إلا أنّ المشكلة تكمن في بعض القرارات والتعاميم التي أصدرها بعض الوزراء بهدف الحد من صلاحيات البلديات. وفي السياق عينه، إنّ تفعيل عمل البلديات يتطلب قانوناً يعطيها دعماً مادياً، إعادة النظر في التقسيم الجغرافي ودراسة الإمكانات المتاحة للقيام بالمشاريع”.
ودعا حبيش في حديثه إلى “إعطاء البلديات السلطة الكاملة لإدارة شؤونها ضمن قوانين رقابية مركزية مع اعتماد تقسيم إداري جديد يأخذ بالاعتبار الجغرافيا الصحيحة ومقومات الاستمرار لضمان التجانس داخل النطاق البلدي الواحد والعمل الناجح.وفيما خصاتحاد بلديات كسروان- الفتوح، فقد تقدم بعدد من المشاريع الحيوية التي تعنى بالنفايات وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ولكنه اصطدم بغياب القوانين التي تدعم البلديات إضافة إلى التدخلات السياسية”.