يُعد هذا المصطلح مُشتقاً من اللفظ اليوناني براغما و معناه العمل ، و عند القول عن كاتب من الكتاب أو مفكر من المفكرين أو أي فنان من الفنانين بأنه براغماتي فهذا يعني أن ذلك المفكر أو الكاتب هو إنسان واقعي عملي و يدعو إلى العمل فيما ينشره بين الناس من أفكار و آراء و تصورات و استنتاجات ،
و من الواضح للعيان بأن المجتمع في أشد الحاجة إلى مثل هؤلاء الشرائح من نخبة الأدباء و المفكرين و الفنانين و المحللين لكي يبتعد صميم المجتمع و نسيجه عن جملة التصورات و الخيالات التي لا ظل لها من الواقع و تجعل مختلف الأعمال الفكرية و الأدبية أعمالاً إنشائية فارغة و سطحية ، و مع انتشار حروف كلمة البراغماتية فهناك من تلقاها بكل ترحاب و قبول و وجد فيها مذهباً فلسفياً يُقرر أن العقل لا يبلغ غايته إلا إذا قاد صاحبه إلى العمل الناجح و لذا اتخذها مصباحاً يستضيء به في حياته بينما كان هناك من أعرض عنها بشدة و عارضها بكل قوة لأنها لا تُلائم مزاجه العام و نمط ثقافته .
يستند مصطلح البراغماتية على سؤال النفس قبل قيامها بأي عمل من أشكال و صور الأعمال : ماذا ستستفيد هي و غيرها من هذا العمل ، فالمسألة ليست مجرد انعقاد مؤتمرات أو إقامة ندوات أو اجتماعات بقدر ما تُقدم كل تلك الأنشطة من فوائد و ميزات مادية و معنوية ، و كتوضيح أكبر لهذه النقطة يُمكن القول بأن الشخص الناجح هو الذي يبذل كل ما في وسعه لمعرفة فلسفة خصمه المقابل و ما هو مقدار مهاراته و ذكائه و ما هي الطُرق التي يسلكها في حُسن استخدام ما لديه من العنصر البشري و كل المعدات التكنولوجية ، و من المتوجب سلوك هذا النهج بدقة في جميع القرارات الصادرة و في شتى الخطوات المهمة التي تُتخد في محطات الحياة ، و في إشارة جلية إلى فهم مصطلح البراغماتية بكل بساطة و سلاسة و معرفة فكرة من أبواب الفكر أو رأياً من صنوف الآراء فيجب وضع أياً منها على الاختبار العملي فإذا أدى الطريق إلى منفعة يمكن اصطناعها في واقع الحياة فعندها تكون فكرة صائبة و مجدية في محتواها أو رأياً يستحق العناية به و جعله نبراساً يُستضاء به في ظُلمات الدُجى .
يجب على المرء الانتفاع من كل فلسفة فيها توسعة لآفاق التفكير عنده لأن كل مدارك العقل يجب ألا تتوقف عند أي فكر حضاري و هذا بالظبط ما قد فعله الأسلاف عند فتح آفاق حقول تفكيرهم للفلسفات و أخذوا منها ما أنار عقولهم و وسع مدى تفكيرهم إضافة إلى استخراج كل ما أضاء و أثر في ألوان حياتهم المادية و المعنوية بصورة عامة و يتضح كل ذلك جلياً في مؤلفات الجاحظ و كذلك أبي حيان التوحيدي و ابن رشد و أيضاً في أشعار المعري و المتنبي و البحتري و أبي نواس و بشار بن برد و غيرهم ممن لا يُحصون عدداً ، و من الجدير ذكره إلى أن مجرد الاعتماد على إرضاء العواطف و الوقوف على الخواطر و التعصب الشديد يُؤخر الأمم و يُحبط الهمم و يؤدي إلى التغافل عن أمور عظيمة و مشاكل خطيرة و لذا يتوجب القيام بحكمة و حنكة بالدراسات المُستفيضة و السير قُدماً بشكل تدريجي قائم على أُسس راسخة و قواعد متينة لتحقيق الآمال العريضة و النشاطات الواسعة لأن طريق الآمال الطويل يكتنفه الكثير من المصاعب و العثرات .