قد لا يكون تحييد لبنان عن أزمات المنطقة أمرا قريب المنال، كي لا نقول “دونه خرط القتاد” كحال فكرة المؤتمر الدولي لانقاذه، بعدما وصلت، الى طريق مسدودة، كل مساعي ايجاد اتفاق داخلي على مصيره. فالأمران ليسا بالسهولة التي يراها البعض، ويحتاجان الى مستويين من التفاهمات الداخلية والاقليمية، التي لا يبدو ان أوانها قد أزف. ومع ان “حزب الله” يعرف أن الخطوتين لا تقفان خلف الباب، لكن رد فعله فضح عمق قلقه من تهديد، ولو طفيف، لمهمته الايرانية، وان لبنان، بشرا وحجرا، ليس همه الأول، وقد فضحته تصريحات قادته ومواليه التي أظهرت عدم “التكافؤ” بين هدوء خطاب البطريرك الراعي وبين “القصف” المتناسق لهؤلاء على وتر التلويح بحرب، لم يفصحوا عما اذا ستكون محلية او اقليمية. فاذا كان المقصود الاولى فستكون من طرف الحزب، دون غيره، كونه الوحيد المدجج بالسلاح الايراني، وغيره لا يملك سوى أسلحة تكاد تكون بائدة الفعالية، ما يجيز القول انه يهدد، بوضوح، بحرب أهلية، أو 7 أيار بنسخة جديدة، أي السقف الاعلى من الردود. إما الاقليمية فصعبة على الحزب ومن وراءه، وان كانت الانتخابات الرئاسية المقبلة في ايران، بعد أشهر معدودات، تشجع “المحافظين” المتشددين على استمرار تسعير المواجهة اللفظية مع واشنطن لضمان استمرار سيطرتهم على قرار طهران، وصولا الى طاولة التفاوض مصحوبين باكثر من ورقة اقليمية من العراق الى سوريا، ولبنان فاليمن، ولربما التصعيد ما بعد بكركي ليس بعيدا عن المشهد.
من الأقوال الموروثة، “من كان تحت إبطه مسلة تنعره”، وهو مثل ينطبق على الحزب، الذي وجد “مسلات” في خطبة البطريرك. فكل كلام على “رفض الجيوش والمعسكرات والمس بكيان لبنان، ورفض تعديل حدوده” يؤشر اليه، والى دوره. وكل لا من اللاءات الـ 17، التي حواها الخطاب، تصيب ما يضمر من “الخيارات الخاطئة الى الانقلاب على الدولة والنظام”. وفي الأساس من كل ذلك عدم افلات الدولة من قبضة الدويلة، والا كيف يعترض على “مؤتمر دولي” مهمته “حسم وضع خطة تنفيذية سريعة لمنع توطين الفلسطينيين، واعادة النازحين السوريين آمنين الى ديارهم”، بينما لا يكل عن زعم رفض توطين،الفريقين. لم ير الحزب في الدعوة الى الحياد ومؤتمر دولي لحماية لبنان وسيادته، سوى مسح صفة العدو عن اسرائيل، متجاهلا ان مجلس الأمن الدولي تدخل في أكثر من محطة لتحييد لبنان عن العدوان الاسرائيلي، كالقرار 1701 الذي حدّ من التهديد الإسرائيلي لـ”حزب الله” بعيْد حرب تموز 2006 وقبله بعقود اتفاق الهدنة العام 1949، الذي لم تسقطه أي من الحروب بين الجهتين، وتكرس منذ الحرب المذكورة، التي لم يشهد لبنان منذها أي خرق مهم، واحترمها الحزب قبل غيره. وهل هناك غيره يشاطر الدولة احترام الهدوء على الحدود الجنوبية، وحتى يفرضه عليها، تمشيا مع تكتيكات ايران.
دعاهم البطريرك للحوار، فحاوروه بالتهديد!!