“سابقة لم يشهدها لبنان في تاريخه الحديث ، عندما لم يحترم لبنان التزاماته المالية ، أمام المجتمع الدولي ، وقد تنكّرت الحكومة لتواقيعها ، ولم تدفع عند الإستحقاق مليار و٢٠٠ مليون دولار اميركي من اليورو بوند .
هذا الذي حصل في آذار ٢٠٢٠ ، ما أدّى الى اشتعال السوق السوداء ، وارتفاع الدولار الأميركي إذ لامس عتبة ٢٥٠٠ ليرة لبنانية .
منذ ذلك الوقت اضطرّ المسؤولين الى اعتماد سياسة الدعم ، والحفاظ على تثبيت سعر الدولار الأميركي على ١٥٠٠ ليرة لبنانية .
لكن دعم السلع الأساسية سبب في ارتفاع الدولار في السوق السوداء بشكل متزايد وصولاً الى أكثر من تسعة آلاف ليرة لبنانية .
إن تدخّل السلطات المختصة المتكرّر وحكومة تصريف الأعمال لم يمكّنها من ادارة الأزمة ولجم الإفراط في إستغلال سياسة الدعم من قبل زمرّ الإحتكار والتهريب ، الذي ازدهر في الآونة الأخيرة الى البلدان المجاورة .
لو علم المسؤولين أن دفع الديون المستحقة في تاريخ الإستحقاق ، كان وفّر هدر ما يوازي ٨ مليارات دولار أميركي من الدعم الذي ينعكس على مالية لبنان في ١٥ سنة المقبلة حوالي ٣٣ مليار دولار أميركي .
لقد وجهّنا النداء تلو الآخر من موقعنا الإغترابي في المجلس الإقتصادي العالمي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ، وتجمع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين HALFA . وحذّرنا مراراً وتكراراً منذ خمس سنوات وأكثر وطالبنا بتجريم وإعتقال كل من يتعرّض لسمعة لبنان والعبث باستقرار النقد الوطني وتهشيم الثقة بالمؤسسات المالية .
لقد بحّ صوتنا من وراء البحار ، ومن على منابر المؤتمرات التي انعقدت في بيروت والخارج ، حتى صحّ بنا القول المأثور :
لقد أسمعت لو ناديت حياً ،
ولكن لا حياة لمن تنادي …
ولم تفلح المحاولات التي قمنا بها ،
وأضحت كل الإتفاقيات حبراً على ورق ، واجهضت كافة المبادرات وكأنها ولدت ميّتة .
يغطّ أهل السلطة في سبات عميق ، غير آبهين بما ستؤل الأمور بهم وبالوطن . وقد استفاقوا متأخرين وبدأوا يتقاذفون الإتهامات ، ويتنصّلون من مسؤولياتهم ، ويبحثون عن كبش محرقة ، والانهيار على الأبواب .
رغم التحرّك الشعبي العارم في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ ، واستقالة الحكومة ، وانتشار جائحة وباء كورونا القاتل ، وازدياد أعداد المصابين يومياً ، بشكل غير مسبوق ، وتعداد الوفيات بالعشرات لا بل بالمئات ، ما زال أهل السلطة في تقوقع وتكاذب وجدل ، وهم ماضون في المماطلة في تأليف حكومة جديدة تضم اختصاصيين ، وتمديد الفراغ الى أجلٍ غير مسمى .
اننا نناشد المسؤولين في لبنان الحفاظ على ما تبقى من مصداقية امام الرأي العام الدولي ، واستعادة ثقة المجتمع الدولي ، ومدّ اليدّ الى اللبنانيين في بلاد الإنتشار ، لأنهم ما زالوا يؤمنون بالوطن الأمّ لبنان ، وهم على استعداد دائم للبذل الغالي والنفيس في سبيل إنقاذ الوطن من أزماته المتتالية ، والدليل القاطع على ذلك التحويلات التي ما زالت تتدفق عبر المصارف اللبنانية والتي بلغت في العام الفائت ٢٠٢٠ ما يوازي ٧ مليارات دولار أميركي حسب التقرير للبنك الدولي ، رغم أزمة القطاع المصرفي اللبناني ورغم الإنكماش الإقتصادي العالمي والتي تعاني منه كل الجاليات اللبنانية في دول الإنتشار على مساحة القارات الخمس .
إنه الإيمان بلبنان الوطن الأمّ الذي يعيش في قلب وعقل كل المغتربين .
انها المعادلة اللبنانية ، والإرادة التي لا تنكسر ، والثقة الكبيرة عند كل العائلات اللبنانية أن أبنائها المغتربين لن يتخلوا عن أهلهم في السرّاء والضرّاء ، وهم ساهرون على سلامة الوطن من وراء البحار ، ولن يوفروا أي جهدٍ في دعم قضايا الوطن الأم في المحافل الدولية ، وتلبية نداء الأهل والوطن ، وتقديم يد المساعدة وبناء الجسور بين جناحي الوطن المقيم والمغترب ، ويتوقون الى إشاعة أجواء التفاؤل والثقة ، والأمل باستعادة الإستقرار المالي والنقدي .
لكن المنتشرين يدركون أن الأشقاء العرب وأصدقاء لبنان الأقربين والأبعدين ، إن كانوا شرقاً أو غرباً ،
لن يخطوا خطوةً في المشاركة بالدعم المالي والإقتصادي بظل الظروف السياسية الراهنة ، وغياب أي خطة لإعادة هيكلة المؤسسات وتحقيق الإصلاح الحقيقي من خلال ادارة رشيدة تتمتع بالنزاهة والكفاءة والشفافية ، وتفعيل سلطة القانون واحترام حقوق الفرد والإنسان والشؤون الإجتماعية والصحية والتربوية ….
وبخاصةٍ التربية المدنية والولاء للوطن وليس للأحزاب والطوائف والمذاهب والمناطق …
ما يغني النفوس بالوطنية الحقّة والمواطنة الصحيحة …
انها ارادة تغيير الذي لا يتغيّر ، والسعي لبناء غدٍ أفضل .
الطموحات كبيرة لكن العائق أكبر ، فالدين والقطاع المصرفي الذي سيتعافى ، رغم كل الصعاب ، وتعود الأمور الى طبيعتها تدريجياً ،
ونستعيد الأمل عند تأليف حكومة جديدة ، من اختصاصيين ومستقلين ، تعمل على رسم خطة طريق مالية واقتصادية ، فتصبح السياسة في خدمة الإقتصاد وليس العكس .. عندها ستتعافى الأسواق المالية يوماً بعد يوم .. ويعود مصرف لبنان الى سابق عهده لضبط مالية الدولة باستقلاليته المعهودة والبعيدة كل البعد عن سياسات المحاور .
وهنا علينا الإستفادة من التجربة التركية ، وتجنب الوقوع بالمحظور والظروف المشابهة عندما تدخلت السياسة في عمل المصرف المركزي ، وفرض الرئيس التركي سياسته ، ما أدى الى انهيار العملة التركية .
لبنان غنيّ بطبيعته الخلابة ، بثلجه الأبيض الناصع ، الذي يكلل قمم جباله ، انه الذهب الأبيض ، انها ثروة المياه التي يمكن أن تغني لبنان لأجيال وأجيال . والبحر الأبيض المتوسط ، المرافىء وشواطئ الأزرق الكبير ، انها عطيّةً الله التي لا تقدّر بثمن .
منها أعطينا الحرف والحضارة والقيم الإنسانية …
ومنها خرج الى العالم المتحضر المبدعين والعلماء والأدمغة ، وهم بمعظمهم من بنوا عظمة العصر الحديث .
لبنان بالتأكيد سيخرج من الضائقة المالية التي نعيشها ، بإيمان أبنائه المنتشرين في كافة أصقاع الأرض .”
انطوان منسى رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانين الفرنسيين