الرهبة والغبطة والحزن والغضب مشاعر رافقتني مساء الثلاثاء في 9/2/2020 مع نجاح مسبار”الأمل” الإماراتي بالوصول إلى مدار المريخ، بعد رحلةٍ 7 أشهر تناولتها في هذه الصفحة في 18 تمّوز/يوليو 2020 بعنوان:”الإمارات تقرع باب المرّيخ”.شاركني النص والحدثشابّات وشبابجامعيين، محاولاً جذبهم لمشروع لافت عربيّ جديد تقوم بها دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. أصبت بذلك هدفاً هوجذبهم لمتابعة شؤون علميّة ذات قيمة كبرى، وأخرجتهم ثانياً من دوامة الكلام والمناقشات السياسيّة والإعلامية الفارغة بعدما كنت ألمس بالمحصّلة بأنهمباتوا مسكونين فعلاً باليأس والرغبة في الهجرة النهائيّة من لبنان.
طرحت عليهم سؤآلاً واحداً:
لو قُدر لكم الذهاب إلى دبي أو إلى أيّ بلدٍ آخر، ماذا تفعلون؟
معظمهم صدّقوا بأنّهم سيجهّزون حقائبهم لترك بلدهم عمّا قريب، أو ظنّوا بقدرتي تعبيدي طرقهم للخروج من جحيم وطنهم. وقعت المبادرة عليهم في طرح الحدث ومناقشته، وكأنّه الطعم غير المقصود الذي رفع بيننا جسوراً من ثقةٍ وأحلاماً بالمستقبل عملت على رعايته بالعقلانية والصبر العلميين. بالرغم من الكورونا، بقينا نتابع الموضوع وغيره في لقاءات غير مباشرة لا يمكنني الإحاطة خلالها بالحماسة المشتعلة التي يختزنها الشباب المتماهين حقيقةً بالشباب الإماراتيين إذ شعرت وكأنّهم في يقظة هائلة على هذا التقدّم العربي الذي بدا بالنسبة إليهم واقعاً علميّاً رائداً ومدعاة للإفتخار. فوجئت، بصراحة، بهذا التحوّل في المحيط الشبابي الذي أقامني فيه طلاّبي إلى درجةٍ إتّصال بعضهم مؤخّراً للسؤآل عن حقيقة إعلان الإمارات منح جنسيتها للشباب العرب الناجح في المجالات الريادية المتنوّعة. صدقاً لم أكن قد عرفت بالأمر.
هنا أورد أقصوصة تسعفني في فهم طموحات شبابنا اللبناني المتعلّقين بقشّة تخرجهم من وطنهم:
يقرأ هؤلاء صحيفة “الخليج” لماماً،وأزوّدهم بالنصوص والمقالات فيها. وسبق لي أن أخبرتهم يوماً بصداقةٍ تربطني بدولة الرئيس الدكتور سليم الحص، مؤسّس منبر الوحدة الوطنية وقد كنت بين المؤسّسين، بأنّه قدّمني للمرّة الأولى إلى رائد في الصحافة العربيّة الدكتور الجليل عبدالله تريم، طيّب الله ثراه، وذلك في عشاءٍ تكريمي له، دعا إليه الأخ حسين حميّه مدير مكتب الخليج في بيروت ، في فندق الحبتور. كان إلى العشاء ثلّة من كبارالصحفين والمفكّرين، وصودف أن دار بين الدكتور عبدالله وبيني حوار عابر حول الريادة الصحفية وجذورها وتحديداً مسألة اعتباري الصحافة موهبة أو علماً يمكن إكتسابه في الجامعات. جاءت نتيجة الحديث، أن أطراني الرئيس الحص بتواضعه قائلاً للدكتور: أنصحك بقلمه. لعلّه كان مخطئاً، لكن صار حبري مقالاً أسبوعيّاً في”الخليج”، كانت باكورته في 27/1/2008، بعنوان “الجبل المشتعل في عبور الصحراء”.
خرجنا عن المدار، لكن لفتني الشعار المرفوع في دبي :”لا شيء مستحيل”، وكذلك الأحاديث الصحفيّة لوزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي بالمناسبة، معلناً بأنّ المعلومات التي ستحصل عليها البشرية من كوكب المرّيخ ستحدث ربّما ثورة علميّة عبر المعطيات المرتقبة التي ستكمل جهود البعثات السابقة بحثاً عن دراسة الغلاف الجوّي وإمكانيات إنتاج الطاقة التي تسمح بالعيش على هذا الكوكب الأحمر. وقع كلامه المتواضع في الإحترام المتواضع بإعلانه أنّ الإمارات دولة لم يكن فيها منذ خمسين سنة شيئاً يُذكر، واستطاعت عبر شبابها ومعظمهم في عمر الزهور تحقيق الأمل إذ تعتبرهم الإمارات الأمل في الحاضر والمستقبل لأسباب ثلاثة هي القيادة وثقة الشعب والعزم. لقد بدأنا مشواراً، قال، وهذه هي الخطوة الأولى في برنامج وطموحات كبيرة، ويمكننا مستقبلاً الإختيار من الشباب العربي والنوابغ الذين سيساهمون في هذا الطموح، لأنّنا لا نفرّق بين عربي وآخر أو بين جنسٍ أو دين بل ننظر إلى العلم نظرة واقعيّة.
اللافت أكثر أنّه بلياقةٍ، توجّه إلى الشباب اللبناني بالقول: “لا تيأسوا، شعب لبنان فيه علماء ومبدعون” الشعار الذي تتناقله وسائل الإعلام اللبنانية، إذ انتابتني أحزان الشيوخ الدامعة، كي لا أقول الخجل، حيال لبنان المشلول وحكومته المستقيلة المقعدة والمنتظرة الذائعتي الصيت، وقيام الرئيس المكلّف سعد الحريري بزيارة الإمارات ثمّ فرنسا التي سينتقل رئيسها ماكرون إلى الإمارات ثمّ المملكة العربيّة السعودية لحلّ معجزة تأليف حكومة وهو أمر لا يتجاوز زقزقة عصفور ميّتٍ فوق شجرة.
تصوّروا. إتّصل بي عالم الأرقام الدكتور بشارة نجيب حنّا سائلاً: ما الذي يمنعنا من شراكات علميّة مع الإمارات؟ وأضاف:عند احتدام السباق إلى الفضاء بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، كان لبنان في تشرين الثاني عام 1960 رائد برنامج الفضاء عندما قامت مجموعة من طلاب جامعة هايكازيان بإشراف مانوج مانوجيان أستاذ الرياضيات والفيزياء وشكّلوا جمعية الصواريخ اللبنانية التي أطلقت صواريخ الأرز في ال 1962 و 1963ليعلن الرئيس فؤاد شهاب عن تقديم دعم حكومي للجمعية التي دفنت لأسباب لا قيمة لذكرها ونحن في إنهيارات متواصلة.
ولكنّ شعوراُ بالغضب كستني، بعدما قرأت بعض التعليقات المريضة السخيفة والمنفوخة على الأنموذج اللبناني الفارغ عبر وسائل التواصل الإجتماعي. عيب..عيب.
كاتب وأستاذ في المعهد العالي للدكتوراه