بقلم: فيصل أبو خضرا عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الضحية، الشهيد الطفل البريء على أبو عليا من قرية المغير في الضفة الغربية المحتلة، والقاتل، مرتكب هذه الجريمة البشعة جندي احتلال إسرائيلي قناص، والسلاح المستخدم في ارتكاب الجريمة بندقية “روجر” أميركية الصنع، زعم الاحتلال ان رصاصها المعدني المغلف بالمطاط غير قاتل، وهو ما دحضه خبراء ومنظمات دولية بينها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال التي أكدت ردا على مزاعم الاحتلال ان هذا السلاح قاتل. أما مبرر هذه الجريمة فلا مبرر على الإطلاق لجريمة قتل طفل بريء بدم بارد على هذا النحو، وبالتالي من السخف قبول تبرير جيش الاحتلال الذي زعم ان هذه الجريمة ارتكبت جراء خطأ في إطلاق العيار الناري! وهي ذريعة يفندها استشهاد عدد كبير من الأطفال والشبان الفلسطينيين بنفس هذا السلاح على مدى السنوات الماضية.
وإزاء ذلك لا يمكن الا ان نقول إن هذه الدولة المارقة التي احتلت بلادنا بقوة سلاح الغرب وبالتآمر معه، أصبحت من الجبن والخبث والحقارة المفرطة وانعدام اية قيم أخلاقية أو إنسانية لتصل إلى درجة تصعيد القتل الممنهج لأطفالنا ونسائنا وشبابنا، ولتطلق حملات التضليل والأكاذيب والمزاعم للتغطية على جرائمها أمام العالم، وهي الدولة التي تتحكم بسياسات دول كبرى في العالم وأولها اميركا وبريطانيا المارقة، وبعض الدول الدول الأوروبية، التي تصمت إزاء كا هذه الجرائم المتأصلة في الفكر الصهيوني والمستمدة من نبيهم يشوع بن نون، كما ورد في سفر يشوع الفصل السادس “وكانَت أبوابُ أريحا مُغلقَةً بِوجهِ بَني إِسرائيلَ ومُقفلَةً ولم يَكُن أحدٌ يخرُج مِنها أو يدخلُها. فقالَ الرّبُّ ليَشوعَ: “دَفَعتُ أريحا ومَلِكَها إلى يَدِكَ معَ جنودِها الأشِدَّاءِ. تَطوفونَ حَولَ المدينةِ أنتَ والمُحارِبونَ كُلَ يومِ مرَّةً واحدةً مُدَّةَ ستَّةِ أيّامِ… وفي اليومِ السابِعِ تَطوفونَ حَولَ المدينةِ سبعَ مرَّاتٍ ويَنفُخ الكهَنةُ في الأبواقِ… ثُمَ يَنفُخونَ طويلاً في قَرْنِ الهُتافِ، وحالما يَسمَعُهُ جميعُ الشَّعبِ يَهتِفونَ هُتافًا شديدًا فيسقُطُ سورُ المدينةِ، ويدخلُها كُلُّ واحدٍ مِنهُم … فلمَّا كانَت المرَّةُ السَّابعةُ نفَخ الكهَنةُ في الأبواقِ، فقالَ يَشوعُ للشَّعبِ: إهتِفوا لأنَّ الرّبَ أسلَمَ إليكُمُ المدينةَ … وحدَها راحابُ الزَّانيةُ تَبقى حَيَّةً هيَ وجميعُ مَنْ معَها في بَيتِها، لأنَّها أخفَتِ الرَّجلَينِ اللَّذَينِ أرسَلتُهُما …فنَفخ الكهَنةُ في الأبواقِ فهَتَفَ الشَّعبُ عِندَ سَماعِ صوتِها هُتافًا شديدًا فسَقطَ السُّورُ في مكانِهِ. فاَقتَحَمَ الشَّعبُ المدينةَ لا يَلوي أحدُهُم على شيءٍ واَستَولَوا علَيها. وقتَلوا بحَدِّ السَّيفِ إكرامًا للرّبِّ جميعَ ما في المدينةِ مِنْ رِجالٍ ونِساءٍ وأطفالٍ وشُيوخ، حتى البقَرَ والغنَمَ والحَميرَ.”
وبهذا يكون النبي يشوع بن نون قد حلل إبادة مدينة بأكملها، ” باسم الرب” حسب النصوص التوراتية، بما في ذلك قتل الاطفال والنساء.
الشهيد الطفل علي أبو عليا ليس أول او آخر اخر شهد، فقد سبقه الشهيد محمد الدرة والشهيد الفتى محمد ابو خضير والمئات غيرهم وقبل ذلك الأطفل والنساء الذين استشهدوا في مجازر العصابات الصهيونية عام ١٩٤٨، والمصيبة ان جميع الدول الكبرى ترى هذه المجازر ولا تحرك ساكنا.
وشعبنا الفلسطيني، الصابر المرابط يقف مدهوشا إزاء صمت هذا العالم العربي والاسلامي والدول الغربية، التي طالما تشدقت دوما بشعارات حقوق الإنسان، أمام هذه الجرائم بحق اطفالنا الذين لا ذنب لهم سوى حبهم لوطنهم الأبدي فلسطين، بل ان اميركا تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تقتل أطفالنا وابنائنا كما تواصل العديد من الدول الغربية دعم الاحتلال الإسرائيلي بوسائل مختلفة
ومن الواضح ما هي اهداف هذا الاحتلال البشع في قتل اطفال فلسطين وشبابها ونسائها وهو الاحتلال، الذي يستهدف البشر والشجر والحجر، واهما انه بهذه الجرائم سيكسر ارادة هذا الشعب ليتخلى عن رفع راية الحرية ومقاومة الاحتلال غير الشرعي. ولكن الحمد لله ان هذا الاجرام الصهيوني الامريكي لم ولن يفلح بكسر إرادة الشعب الفلسطيني خصوصا بأطفاله وشبابه ونسائه وشيوخه.
ان تعاليم يشوع بن نون وافكاره المجرمة في النصوص التوراتية تدرس في جميع المدارس والجامعات الاسرائيلية. وقصة سقوط اريحا هي جزء من التاريخ الرسمي المعتمد في اسرائيل، والذي يدرس للاطفال والكبار مما يغرس الحقد والتطرف والعنصرية لدى الشبيبة الاسرائيلية. وقد لفت ذلك نظر عالم النفس البروفسور تامرين وهو احد الاساتذة السابقين في جامعة تل ابيب، فاجرى دراسة ميدانية حول تاثير سقوط اريحا التوراتية على الصفوف الابتدائية، والتكميلية في اسرائيل، ومدى انعكاسها على سلوكهم الراهن، وقد طرح تامارين على العينة موضع الدراسة السؤال التالي – ” لنفترض ان الجيش الاسرائيلي احتل قرية عربية خلال الحرب، فهل يفترض به، جعل مصير سكانها مماثلا للمصير الذي جعله يشوع بن نون لسكان اريحا؟ نعم ام لا”. وقد اجابت الاكثرية بنسب تتراوح بين ٦٦ بالمائة و ٩٥ بالمائة، بـ” نعم”!
ان سلسلة المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، من مجزرة دير ياسين عام ١٩٤٨ الى مجزرة الحرم الابراهيمي عام ١٩٩٤بلغت ما لا يقل عن ١٥٠ مجزرة موثقة ، وهذه المجازر تذكرنا بما حصل في اريحا عام ١١١٨ قبل الميلاد.
ومع الأسف ورغم كل هذه الجرائم وما يتهدد قضيتنا الفلسطينية وحقوق شعبنا لا تزال قيادات كافة فصائلنا عاجزة عن انهاء الانقسام المأساوي في ساحتنا الفلسطينية أو انها لا تريد انهائه، كما انها تحدثت كثيرا عن المقاومة الشعبية السلمية ولم نر من هذه الفصائل سوى بيانات الشجب والاستنكار وتسابق مسؤوليها عبر الفضائيات على اطلاق تصريحات نارية لم تقدم او تؤخر شيئا ولم تردع هذا الاحتلال.
ان تبرير استمرار الانقسام وعدم تفعيل المقاومة الشعبية السلمية بانتظار مفاوضات عبثية يطلقها بايدن او غيره لن يؤدي الا إلى مزيد من القتل والعنصرية والاستعباد لهذا الشعب الصابر على قياداته والصامد في وجه اعدائه.
ان استمرار السكوت على سقوط اطفالنا برصاص الاحتلال والاكتفاء ببيانات لا تغني ولا تسمن من جوع لا يعني سوى العجز، ويعني ايضا ان هذه القيادات تتحمل المسؤولية عن استمرار هذا الوضع والتاريخ لن يرحم وعلى هذه القيادات ان تدرك ان دماء أطفالنا وأبنائنا ليس رخيصة وان حياة أطفالنا تستحق منهم الارتقاء إلى مستوى الشعارات التي يرددونها باسم فلسطين وشعبها.
وأخيرا نقول ان ليس لنا الى الوحدة ثم الوحدة والخروج من مربع البيان الاول الذي يبدو انه دُفن على مذبح المصالح الشخصية والفئوية الضيقة للأسف… والله المستعان.