- 250 ألف عاطل عن العمل ومحال ومؤسسات أقفلت
- الاقتصاد كأحجار الدومينو إذا سقط حجر منها سقط كله
هل سيحمل العيد الهدايا للكبار والصغار أم سيبقى تأمين السلة الغذائية أولوية تفرض نفسها حتى في فترة الأعياد؟ كيف ستمرّ الأعياد على التجار اللبنانيين؟ ما هي الخطوات البديلة لإنعاش القطاع التجاري ؟ وما هي الهدية المنتظرة لانتشال لبنان من الأزمات المتواصلة؟… في مقابلتنا الخاصة مع رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس سنسلط الضوء على جميع تلك الأسئلة، كما سنتطرق إلى سلسلة الرتب والرواتب وكورونا وانفجار مرفأ بيروت وعلى الحلّ الذي ينبغي اعتماده لإنقاذ لبنان من أزماته.
إعداد – ريم وليد شاهين
وصف رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس ما حصل في لبنان منذ سنة لغاية اليوم على الصعيد الاقتصادي، بالكارثة الموصوفة، وقال إن لبنان بعد حادثة مرفأ بيروت خسر كلّ مقومات الاقتصاد الفاعل والمنتج – أي القطاع المصرفي والسياحي والتجاري والنقل – وحتى القطاعين التربوي والصحي.
أما فيما يتعلق بالأرقام، وبتعريف صندوق النقد الدولي، فإن الناتج القائم في لبنان الذي كان يبلغ 55 ملياراً والذي لم يشهد أيّ نموّ حقيقي خلال الفترة المنصرمة، قد لا يتعدّى خلال العام الحالي العشرين ملياراً.
وأضاف شماس: ” بعد أن كان لبنان من الدول الناشئة +، أصبحنا اليوم في مصاف الدول الفقيرة، مشيرا إلى أن المسار الانحداري بدأ عام 2011 مع بدء الحرب في سوريا، ولفت إلى أنّ التأثيرات والانعكاسات السلبية أثرت على لبنان بشكل مباشر وغير مباشر، ومن أبرز تلك الانعكاسات، حالة اللا استقرار وبالتالي غياب السيّاح العرب والأجانب.
وتابع: “من تأثيرات تلك الأزمة أيضا، النزوح السوري وتمدده في لبنان، بالاضافة إلى دخول السوريين إلى أسواق العمل، ليس فقط في القطاعات التقليدية كالزراعة والبناء، بل اجتاحوا مختلف القطاعات، كالصناعة والتجارة والفنادق والمطاعم والمهن الحرّة. ورأى أنّ هذه التأثيرات أدّت إلى إضعاف القدرة الشرائية، ما انعكس سلبا على القطاع التجاري وعلى الإقتصاد اللبناني بأكمله.
وعن الدور الذي لعبته جمعية تجار بيروت للحدّ من مشكلة دخول السوريين إلى الاسواق اللبنانية، أكّد الشماس أنّ الجمعية لطالما طالبت ورفعت الصوت عالياً وشجعت على مساندة التجار اللبنانيين بالتنسيق مع الوزارات، وحذرت من خطورة تلك الظاهرة عبر الإعلام والحملات الإعلانية، وشدّد على أنّه مرتاح الضمير، لأنّ الجمعية كانت أوّل من استشعر الخطر وحذرت منه قبل بدء مناقشته من خلال الحكومات المتعاقبة. ولفت رئيس جمعية تجار بيروت الى أنّ العام 2017 كان مفصلياً مع استقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية وما تركته من تأثيرات سياسية ومالية، لافتا الى أنه في ذلك الحين بدأ خروج الأموال من لبنان وارتفعت الفوائد وأقرت سلسلة الرتب والرواتب.
وشرح : ” لا أحد يستطيع أن ينكر أنّ جمعية تجار بيروت كانت السبّاقة بالتحذير من إقرار سلسلة الرتب والرواتب لأنّ الاقتصاد اللبناني لم يكن حينها قادراً على تحمّل هذا العبء، لكن أحداً لم يستمع إلى تحذيراتنا، وأدركوا صحّة كلامنا بعد أقلّ من سنة من إقرارها واصفا تلك الخطوة بالقشة التي قصمت ظهر – الخزينة اللبنانية – “.
ورأى شماس أنّ نهاية المطاف كانت مع إنطلاق الثورة وإغلاق المصارف، فبات التّجار عاجزون عن تحويل الأموال إلى الموردين، فتوقف عمل العديد من الشركات فيما أقفل بعضها الاخر، وبالتالي بدأ صرف الموظفين الإفرادي والجماعي من الشركات بعد أن تعذر على أصحاب رؤوس المال سحب أموالهم من المصارف.
ولفت إلى أنّ عدد العاطلين عن العمل بلغ اليوم 250 ألف عامل، مضيفاً أنّ “الحبل عالجرار”، وكشف أنّ عدد المؤسسات التجارية التي أغلقت أبوابها فاق التوقعات، وأن العلامات التجارية الكبرى التي انسحبت من لبنان ليس إلاّ الجزء الظاهر من جبل الجليد.
ورأى شماس أنّ لبنان قائم على التجارة منذ زمن بعيد وأنّ من بين كلّ أربع عائلات، هناك حتماً عائلة تعمل أو تستفيد من القطاع التجاري، وبالتالي مع غياب القدرة على الاستيراد بسبب أزمة الدولار وإنعدام القدرة الشرائية، فإن معاناة القطاع التجاري إزدادت.
وعن محاولة إنعاش القطاع التجاري خلال فترة الاعياد، لفت رئيس جمعية تجار بيروت إلى أنّ الأسعار بالليرة اللبنانية تعتبر مرتفعة جداً ولكن إذا نظرنا إلى الأسعار بالدولار الاميركي، نجد أنّها ليس فقط منخفضة بل أقلّ مما كانت عليه في السابق، واصفا الحال بـالمثل القائل “الجمل بدرهم ولا تملك درهماً “.
وفسّر شماس أنّ الناس تذهب إلى تأمين سلّتها الغذائية أوّلاً، وأنّها قد تستعيض عن تقديم هدايا العيد من أجل تأمين أولوياتها، مع العلم أنّ قطاعات الترفيه والالعاب والهدايا والالبسة والالكترونيات هي القطاعات التي ينتعش إقتصادها خلال فترة الاعياد وبالتالي من يقول أنّها من الكماليات وليست مهمة، نوضح له بأنّ الاقتصاد كأحجار الدومينو إذا سقط حجر واحد سقطت باقي الأحجار.
واعتبر شماس أنّ الحلّ الوحيد يكمن بتشكيل حكومة جديدة على أسس متينة انطلاقاً من المبادرة الفرنسية التي وضعت خطوط عريضة للمعالجة، بدءاً من أزمة جائحة كورونا مرورا بإنفجار المرفأ وصولا الى إصلاح القضاء والتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
ووجّه التحية إلى الرئيس المكلّف سعد الحريري، معتبراً أنّه رجل المرحلة وأنّه من الملمين بحاجات القطاع الخاص وبمشاكله وأكّد أنّ الحكومة الجديدة المنتظرة يجب أن تضم وزراء أصحاب اختصاص ملمين بالشأن العام وقادرين على التكيّف بعيداً عن هويتهم الطائفية، كما لا يجب أن تكون الوزارات مقسمة وفقاً للمحاصصة، وحينها يجب بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي بناء على تنسيق بين الحكومة ومصرف لبنان تجنباً لما حصل مؤخراً بعد أن تفاوتت الارقام بين الطرفين وعمّت الفوضى وخسرنا أيّ محاولة للمساعدة.
وعن الدور الراهن للقطاع الخاص، قال شمّاس إنّ القطاع يدفع الضرائب وبالتالي يموّل القطاع العام، ووصف القطاع العام بالطابق الأول الذي يكون قائماً على أسس متينة وثابتة ليحمل الطابق الأعلى – أي القطاع العام – وحين تتسع مساحة الطابق الثاني وتفوق مساحته الطابق الاوّل، يصبح حتماً المبنى قابلاً للإنهيار، وهذا ما لم تدركه الدولة مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي انعكست تأثيراتها سلباً على الاقتصاد بشكل عام .
وعن جمعية تجار بيروت، أشار شماس إلى أنّ الجمعية بكافة كوادرها تبذل أقصى جهودها لإيجاد الحلول، وأنّها توظف جهودها من أجل الضغط على الدولة للاسراع بتشكيل الحكومة، كما تحاول الضغط على شركات التأمين بالتعاون مع الهيئات الاقتصادية من أجل الإستحصال على أموال الناس التي دّمرت محالهم التجارية ومؤسساتهم نتيجة إنفجار المرفأ، كما وطالبنا بالأمس القريب بحجز بطاقة تمويلية بقيمة مليون ونصف ليرة لكلّ عائلة لبنانية وبالتالي توجيه الدعم في الاتجاه الصحيح.
وشرح أنّه من الصعب استقطاب الناس إلى المحال التجارية في ظلّ الاوضاع الراهنة، ولكننا كجمعية نحاول المساعدة في حثّ البلديات والأحياء على نشر أجواء العيد والفرح، لعلّ ذلك يعود بالفائدة على جميع الناس والقطاعات.وذكر أنّ الجمعية تجهد بشكل متواصل لتكون المظلّة الآمنة التي تحمي التجاّر وتحثّهم على الاستمرار بالرغم من كلّ الظروف.
ورأى شماس أنّ سنة 2020 شهدت أزمات كبيرة، بدءاً من كورونا إلى إنفجار المرفأ مروراً بالازمة المالية، وشدد على أنّ ذلك كبّد لبنان خسائر مالية وإقتصادية وإجتماعية فادحة. ومع ذلك لفت الى أن لبنان يتمتع بخصوصية تجعله يختلف عن غيره من البلدان، فهو يسقط سريعاً لكنه سرعان ما يعود وينطلق من جديد .
وختم : ” إذا تشكّلت حكومة ذات حدّ أدنى من المصداقية وتمتعت بالثقة في الداخل والخارج، فإننا قد نستطيع النهوض من الكبوة التي وقعنا فيها. ونحن كجمعية تجار بيروت وبالتعاون مع الهيئات الاقتصادية نسعى ونضغط بكل إمكانياتنا لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن.