الدواء ليس حلاً لكنه يساعد المريض على حلّ مشكلاته بشجاعة
“كورونا” تتسبب باضطرابات القلق والاكتئاب
الطب النفسي والعلاج النفسي عالمان متكاملان لكنهما مختلفان في الوقت نفسه، ولكشف أوجه الاختلاف بينهما لجأنا إلى الطبيب النفسي د. محمد كلش الذي خصّنا بمقابلة تفسيرية توعوية وضعنا خلالها بصورة أهمّ الامراض وكيفية التعرف على عوارضها.. كذلك تطرق الدكتور كلش الى جائحة كورونا والاثار النفسية السلبية التي نتجت عنها، وقدّم للقرّاء أهمّ النصائح المفترض العمل بها في فترة الحجر المنزلي للحدّ من تلك الآثار.
إعداد – ريم وليد شاهين
أوضح د. كلش عن الفرق بين الطبيب النفسي والمعالج النفسي، مشيراً إلى أنّ الأوّل هو طبيب يدرس ويتخصص بالطب النفسي كمن يتخصص بأمراض القلب أو جراحة العظام (Psychiatrie)، في حين أن المعالج يدرس إختصاص علم النفس (Psychologie) ، وهو علم يدخل في العلوم الانسانية ولا علاقة له بالطب.
قال الدكتور كلش: “الطبيب النفسي ممكن أن يكون معالجاً نفسياً، لكن المعالج لا يستطيع أن يكون طبيباً. ووفقاً للقانون اللبناني، يحقّ للطبيب النفسي فقط وصف الدواء”.
ورأى د.كلش أنّ الطب النفسي والعلاج النفسي عالمان متكاملان لكنهما مختلفان، شارحاً أنّ ما يحصل عادة هو تحويل المريض من الطبيب إلى المعالج، ليصبح العلاج متكاملاً.
وشرح أنّ علاج أمراض الفصام والتخلف العقلي والاكتئاب والقلق وثنائي القطبين (Bipolar) والامراض الذهانية، والوسواس القهري وأمراض الخرف والادمان بأنواعه والتوحد والنمو الحركي لدى الاطفال من إختصاص الطبيب النفسي. وعن نسبة اللجوء للطب أو العلاج النفسي في لبنان، فأشار د. كلش أنّ نسبة المرضى الذين يزورون المعالج النفسي أكثر بكثير من أولئك الذين يلجأون للطبيب النفسي، عازيا ذلك الى الخوف من امكانية الادمان على أدوية الطب النفسي موضحا أنّه مفهوم خاطئ لأنّ الطبيب يصف الدواء بعيار محدّد ومدروس.
أما عن جائحة كورونا وتأثرها وتأثيرها بالطب النفسي، لفت إلى ظهور ثلاث فئات من المرضى: الفئة الأولى تضمّ الذين كانوا يعانون من مرض نفسي ويتناولون الدواء قبل تفشي الوباء، ما أدى إلى تفاقم مرضهم نتيجة الحجر المنزلي. ورأى ان ذلك ساهم في رفع مستوى الاكتئاب والقلق والخوف والأرق والهواجس النفسية لدى المريض.
أما الفئة الثانية الذين ظهرت عليهم عوارض نفسية نتيجة انتشار الوباء، فهم في لائحة المرضى الذين لا يعانون في الاصل من أيّ مرض لكنّهم تأثروا بسبب الحجر المنزلي وفقدان عملهم ونقص في مدخولهم، الامر الذي أدّى إلى تفاقم نسبة القلق لديهم وتغيّر في مزاجهم وطريقة نومهم، خصوصا أولئك الذين يعيشون في محيط عائلي مكتظ وهم اعتادوا على الخروج من دون اي رابط أسري.
وعن الفئة الثالثة، فقال الدكتور كلش إنهم فئة منبثقة من النوع الثاني، وهم مرضى يعملون على معالجة أنفسهم بشكل ذاتي، وأن جزءاً قليلا منهم لجأ إلى تناول أدوية مخدرة، بينما اتجه الجزء الأكبر منهم إلى الإدمان على المخدرات أو الكحول، وهؤلاء – بحسب الدكتور كلش – سيعانون بعد فترة تترواح بين الثلاثة والستة أشهر، من أمراض نفسية وعقلية كالهواجس الاضطهادية والهلوسات السمعية والبصرية ما يتطلب علاجاً من نوع آخر.
وتابع الطبيب النفسي: ” وباء كوفيد-19 أدّى إلى إرتفاع نسبة أمراض القلق بشكل يفوق ارتفاع نسبة الاكتئاب. ونتيجة للحوادث المختلفة في لبنان من إنفجار وأعمال شغب وسرقة، إرتفعت نسبة اضطراب القلق ما بعد الصدمة”، موضحاً أنّ الاكتئاب يجعل الشخص يشعر بالدونية والحزن الدائم وقلّة النشاط والارادة وفقدان الشهية والقدرة على النوم، في حين أن القلق يزيد من عصبية المريض ويغيّر في مزاجه. وخلص إلى أنّ الاكتئاب يبنى على الماضي الذي يزعج المريض، بينما القلق يتعلق بالأمور المستقبلية كاشفاً عن وجود أعراض مشتركة بينهما إذ يعالجان بنفس الدواء لكن بعيار مختلف، والاثنان ينتجان عن تدني نسبة السيروتونين في الدماغ.
وأفاد د.كلش أنّ أغلبية أدوية الطب النفسي لا تتعارض مع الادوية التي يتناولها المريض المصاب بكورونا سواء المضاد الحيوي أو المضاد الفيروسي أو الفيتامينات، مشدداً على أنّ الأدوية تحسّن من قدرته على التجاوب المناعي. وأكّد أنّه وفقاً للدراسات والحياة العملية، فإنّ الاصابة بفيروس كورونا تؤثر سلباً على مزاج الشخص (mood) وتسبب عوارض قلق واكتئاب خلال الإصابه أو بعد الشفاء منه.
ومع إستمرار الحجر المنزلي، نصح د.كلش اللبنانيين، الالتزام بوقت النوم والاستيقاظ كما جرت العادة ما قبل ظهور فيروس كورونا، مشيرا الى أنّ ذلك يؤثر على الهرمونات وعلى نسبة الكورتيزول المرتبطة بالقلق. كما نصح بعدم الانزواء والمشاركة في أعمال عائلية واستبدال الهاتف والالعاب الافتراضية بألعاب جماعية كالمونوبولي والشطرنج وغير ذلك، لافتا الى أنّ النتائج التي ظهرت حول قوة الترابط الاسري، كشفت أنّ الافراد يتعرفون على بعضهم من جديد. ونصح من تطاردهم الأفكار السلبية، مشاركة هواجسهم مع الغير، مشيراً إلى أنّ هناك جمعيات متخصصة، تقدم الاستشارات النفسية المجانية وتحوّل المرضى إلى أطباء عند الضرورة .
وأضاف : “نحن موجودون على مواقع التواصل الاجتماعي ونعرض فيديوهات تفيد الناس والمرضى، وفي حالات معينة نشخص من دون مقابل مادي. وعن نسبة تناول أدوية الطب النفسي بشكل عام، كشف أنّ النسبة ارتفعت ثلاثين بالمئة، أيّ أنها لامست الخمسين بالمئة حالياً واصفاً إيّاها بالمرتفعة. ولفت إلى أنّ الدواء ليس حلاً لايّ مشكلة، لكنه يساعد المريض على حلّ مشكلاته بشجاعة بدلاً من الهروب منها.
وتناول د.كلش مشكلة الادمان على الانترنت لدى الاطفال والمراهقين، وقال إنها مشكلة لم تصنّف بعد كمرض نفسي متوقعاً حدوث ذلك قريباً. وعن أبرز العوارض التشخيصية التي تُظهر الإدمان على الإنترنت، قال د. كلش إنّ هذا النوع يظهر بنسبة أكبر لدى الأطفال والمراهقين ويؤثر ذلك على نمو دماغهم وعلى حياتهم العملية. وعن الفئات العمرية الاخرى كشف ان عوارض الادمان ظهرت لديهم أيضا خصوصاً خلال مرحلة تفشي الكورونا
ونصح بعدم السماح للأطفال من هم دون السنتين، بإستخدام الإنترنت ومشاهدة الفيديوهات عبر الايباد أو التلفون. أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات، فنصح الدكتور كلش السماح لهم باستخدام الانترنت ساعة واحدة. وأرجع ذلك الى أنّ ضوء الهاتف ليس ثابتاً بل متحركاً وأنّ العين تراه ثابتاً في حين يراه الدماغ على حقيقته وهو ما يؤثر على النوم والجهاز العصبي. وذكر أنّ بعض الحالات التي جرى ملاحظتها في شرق آسيا كشفت أنّ الادمان على الانترنت قد يصل إلى خلل في كهرباء الرأس، الامر الذي يؤدي إلى نوبات صرع وتغيّر سلوكي . ورأى أنّ التعليم أونلاين عبر الهاتف أو الايباد مضرّاً ناصحاً باستخدام الحاسوب الالكتروني لأنّ ضوء شاشته أقلّ ضرراً.
أخيراً نصح د.كلش أيّ شخص يعاني من مشكلة، بأن يتدارك الأمر مبكراً وعدم تشخيص مرضه من خلال الانترنت، بل التوجه للطبيب أو المعالج النفسي مشدداً على أن الطب النفسي مبني على دراسات وأدلة.