شدد كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى «بنك عودة» الدكتور مروان بركات على وجوب «أن يولد لبنان جديد قائم على مواءمة الواردات مع الإنفاق المحلي الرشيد، ومواءمة الإنفاق المحلي مع الدخل المحلي الحقيقي، وعلى مواءمة الدخل مع الإنتاج المحلي بشكل عام».
وقال لـ»المركزية»: «ظهر في الآونة الأخيرة عدد كبير من التفسيرات حول جذور وأسباب الأزمة المالية المستفحلة حالياً في لبنان…» معتبراً أن «هناك مسؤولية مشتركة بين مختلف العملاء الاقتصاديين حول المعضلة القائمة حالياً في البلاد».
وكشف أن «إلقاء نظرة دقيقة على الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2019 يشير إلى أن التدفقات الخارجة من لبنان فاقت تلك الوافدة إليه بمقدار 100 مليار دولار، مما أدّى إلى ضغوط جمّة على صافي الموجودات الخارجية للنظام المالي المكوّن من المصارف والمصرف المركزي، نجم عنها استنزاف تدريجي للسيولة الموجودة داخل النظام المالي». أضاف: «في الواقع، إن السيولة الأجنبية لدى مصرف لبنان والمصارف اللبنانية إلى جانب التدفقات الوافدة الإجمالية قد استُنزفت عاماً بعد عام من خلال عملية تقييد العملة الوطنية التي هدفت إلى الحفاظ على استقرار في سعر صرف العملة الوطنية على الرغم من الاختلالات الماكرو اقتصادية والمالية المستمرة وفي ظلّ استيراد مفرط لا يبرّره الدخل الحقيقي الناتج عن الاقتصاد المحلي».
ولفت إلى أن «هذا الفائض في التدفقات الخارجة بالمقارنة مع التدفقات الوافدة خلال فترة 2003-2019 تم تمويله من قبل المصارف والسيولة الأجنبية لدى مصرف لبنان». وأكد أن تفسير جذور الأزمة المالية الحالية يعتمد على التدقيق في صافي التدفقات الخارجة من لبنان والوافدة إليه على مدى العقدين الماضيين».
أضاف» أن تصحيح الاختلالات الجمّة القائمة في القطاع الخارجي يشكل الأولوية الأكثر إلحاحاً للبنان في الوقت الحاضر، مع الإشارة إلى أن النموذج القائم حالياً على تمويل العجز التجاري الملحوظ من خلال التدفقات المالية الوافدة لم يعد قابلاً للاستدامة. وقال انه لا يزال بالإمكان تحقيق توازن مرجو في ميزان المدفوعات من خلال مزيد من التخفيض في حجم الواردات وعبر تعزيز الصادرات والتدفقات المالية والأهمّ عبر تحفيز الناتج المحلي الإجمالي. وتابع: «من هنا، تبرز أهميّة إحياء قدرة لبنان على جذب التدفقات المالية الواردة وسط استعادة تدريجية لعامل الثقة، وتعزيز كلّ من الإنتاج المحلي وحركة التصدير من خلال دعم القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية وفرض قيود وضرائب على الواردات التي تؤدي إلى تآكل الموجودات الخارجية للنظام المالي اللبناني».