أظهر تقرير بنك عودة عن الفصل الثالث من العام 2020 ، أن «الأزمة الاقتصادية الحادة التي اندلعت في الفصل الأخير من العام 2019، إضافةً إلى إعلان الدولة عن تعثّرها عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية في الفصل الأول من العام 2020، وتدهور الوضع النقدي في سياق التفاوت الملحوظ بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف السائد في السوق الموازية، ناهيك عن تفشي وباء كورونا والذي نجم عنه إغلاق للبلد لعدد من الأسابيع، مروراً بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب، كلها عوامل أرخت بثقلها على القطاع الحقيقي بشكل خاص وعلى النشاط الاقتصادي بشكل عام».
واكد التقرير ان أداء مؤشرات القطاع الحقيقي هذا العام عكس في الواقع المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان. فمن أصل 11 مؤشراً للقطاع الحقيقي، تراجعت عشرة مؤشرات بينما ارتفع مؤشر واحد خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 بالمقارنة مع الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 هو المبيعات العقارية.
وعلى صعيد المالية العامة، أظهرت مؤشرات الأشهر السبعة الأولى من العام 2020 أن الإيرادات والنفقات العامة قد سجلت تراجعاً بنسب تتجاوز العشرة في المئة أدّت إلى تقليص طفيف في العجز المالي العام.
تقلص الودائع
أما على صعيد القطاع المصرفي، فإن الودائع المصرفية والتي تستحوذ على ما نسبته 74% من الموجودات المصرفية، سجلت تقلصاً بقيمة 16.7 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 لتبلغ 142.2 مليار دولار في نهاية شهر أيلول.
وتُظهر إحصاءات المالية العامة للأشهر السبعة الأولى من العام 2020 أن الإيرادات والنفقات العامة انخفضت كلتاهما بنسب تقارب العشرين في المئة، ما أدّى الى تراجع بسيط للعجز العام.
ولفت التقرير الى ان الدين العام الإجمالي بلغ 94,3 مليار دولار في آب 2020، أي بزيادة نسبتُها 9,2% مقارنةً مع آب 2019 و2,9% مقارنةً مع كانون الأول 2019. وقد ازداد الدين العام بالليرة اللبنانية بنسبة 9,8% مقارنة مع آب 2019 لتوازي قيمته 59,0 مليار دولار في آب 2020. أما الدين العام بالعملات الأجنبية، فقد زاد بنسبة 8,4% مقارنةً مع آب 2019 وبنسبة 4,4% مقارنةً مع كانون الأول 2019 ليصل الى 35,2 مليار دولار في آب 2020. في هذا السياق، وبعد تنزيل ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية من مجموع الدين العام، يكون الدين العام الصافي قد ازداد بنسبة 9,4% مقارنةً مع آب 2019 وبنسبة 4,5% مقارنةً مع كانون الأول 2019 لتصل قيمته الى 84,9 مليار دولار في آب 2020.
انخفاض اجمالي موجودات المصارف
واضاف ان القطاع المصرفي اللبناني يعمل في ظروف تشغيلية بالغة الصعوبة، في ظلّ استمرار التجاذبات السياسية وإحجام السلطات العامة عن حلّ الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها البلاد. وقد انخفض إجمالي موجودات المصارف العاملة في لبنان، والذي يقيس نشاط القطاع، بنسبة 11,2% في الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية ليبلغ في أيلول 2020 ما يعادل 192,6 مليار دولار (على أساس سعر الصرف الرسمي جــرّاء تراجع الودائع والتسليفات.
في موازاة ذلك، وبحسب توجيهات مصرف لبنان، واصلت المصارف خفض معدلات الفائدة الدائنة والمدينة.وفي ما يخصّ السيولة المصرفية، تراجعت التوظيفات لدى المصارف في الخارج بمقدار 2,3 مليار دولار خلال تلك الفترة.
واكد ان القطاع المصرفي لا يحتاج إلى تعويم خارجي، فالمصارف تحتاج فقط إلى أن تسدّد الدولة اللبنانية مستحقاتها. وإذا حصل ذلك، فإن وضعية السيولة لدى المصارف من شأنها أن تتعزّز مع قيام الدولة بسداد جزء من السيولة المستحقة للمصارف. ولكن المطلوب أولاً وقبل كل شيء أن يكون لدى السلطات العامة والنظام المالي رؤية مشتركة للخسائر المالية المحققة والمرتقبة. بعد ذلك، ينبغي أن يتحوّل التركيز إلى المطالبة باسترداد جزء من تلك الخسائر وتوزيع الباقي على كافة العملاء الاقتصاديين بطريقة عادلة ومنصفة.
آلية عادلة لتقاسم الأعباء
وشدد على انه من غير العادل أن يُطلب من المصارف تحمّل كل التكاليف المتراكمة على مدى سنوات من سوء إدارة الدولة. وبالتالي يجب أن يكون هناك آلية عادلة لتقاسم الأعباء حيث تحتاج الدولة إلى استخدام العديد من أدواتها لتتحمّل جزءاً ملحوظاً من هذه الخسائر، على سبيل المثال خصخصة بعض مؤسساتها أو المبادلة المحتملة للأصول الحكومية التي يمكن توظيفها في صندوق سيادي يُدار على مدى سنوات لمعالجة بعض هذه الخسائر.
في هذا السياق ذكر أنه وفي ظل هذه الظروف الراهنة، قد تضطر المؤسسات المصرفية الأكثر تضرراً أو غيرالقادرة على رفع رأسمالها وفقاً لمتطلّبات مصرف لبنان إلى الاندماج مع مؤسسات مصرفية أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يضمن تقليص عدد المصارف في القطاع. من الصعب في هذه المرحلة تحديد عدد المصارف التي ستبقى على وجه التحديد، ولكن المطلوب أولاً هو تخفيض شبكة الفروع بنسبة 30% إلى 40% والتي تبلغ اليوم حوالى 1,000 فرع في لبنان.
ولفت التقرير الى أن بعض المصارف قد تجد صعوبة في التكيّف وتلبية المتطلبات في ظل هذا المناخ السائد حالياً، وسيتعيّن عليها الخروج من السوق، في حين أن مصارف أخرى ستكون قادرة على البقاء ومواصلة العمل، حتى لو كان ذلك يعني الاضطرار إلى بيع جزء من مؤسساتها التابعة في الخارج من أجل ضخّ سيولة كافية وبالتالي تعزيز رساميلها.