وأنا أتابع تطورات “المبادرة الفرنسية” قبل “الفوضى الهدّامة”، وقبل وصول تموجات “نهر بوتماك” مرة ثانية الى “بيروت”.
وأنا أتابع هذه التطورات الدراماتيكية تذكرت إحدى القصص الشعرية لأمير الشعراء في الأدب العربي علي أحمد شوقي بك” (١٨٦٨- ١٩٣٢) المصري الجنسية، وهي قصة “الثعلب والديك” التي نظمها في أوائل عشرينيات القرن العشرين الماضي، ومعها قصيدة “يا جارة الوادي” التي غناها موسيقار الجيلين “محمد عبد الوهاب” المصري الجنسية عام ١٩٢٨، ثم غنتها سفيرة لبنان الى النجوم “السيدة فيروز” (المكرّمة من الرئيس الفرنسي “ماكرون” في زيارته التاريخية لها في منزلها)، وهي كانت مُهداة لمدينة “زحلة”.
وقد غناها “محمد عبد الوهاب” من عند البيت الذي يقول:
يا جارة الوادي طربت وعادني… ما يشبه الأحلام من ذكراك.
وعند تلحين البيت التالي وقع في هذا الخطأ: “ولقد مرّرت على الرياض (والصح رياض) بربوة.. غناء كنت حيالها ألقاكِ”.
والسيدة “فيروز” وقعت في الخطأ ذاته.
و يحكي “أحمد شوقي” في قصة “الثعلب و الديك”:
بَرَّزَ الثعلبُ يوماً… في شعار الواعظينا
فمشى في الأرض يهْدي… ويَسُبّ الماكرينا (أي المخادعين)
ويقول: الحمد لله… إله العالمينا
يا عباد الله توبوا (أي ارجعوا الى الله)… فهو كهف التائبينا
وازهدوا (أي اتركوا، وغرضه النصح والإرشاد)، في الطير إن الـ… عيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن… لصلاة الصُبْح فينا
فأتى الديك رسول… مِن إمام الناسكينا (أي الزاهدين المتعبّدين)، و(“إمام الناسكين” تعبير جميل يدلّ على السخرية وعلى أنّ حيلة الثعلب مفضوحة ولا تُخفى على أحد)
عَرَض الأمر عليه… وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عُذراً… يا أضل المهتدينا
بلّغ الثعلب عنّي… عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممّن… دخل البطن اللعينا
إنهم قالوا وخير الـ… قول قول العارفينا (وخير قول قول العارفينا: تعبير يدل على ضرورة التعلم من الآخرين والإستفادة من خبراتهم)
“مُخْطئ مَن ظنّ يوماً… ان للثعلب دينا (أي عهداً أو ذمة)
ولقد كانت هذه “الحكاية – القصيدة” جميلة النسخ القصصي، زاد عنصر التشويق من جمالها، والبيت الأخير الذي هو “عنصر المفاجأة” فيها أصبح مثلاً يُضرب لـ”المحتال”، وما أكثرهم في هذا الزمن في “لبنان كان يا ما كان”.
ألا ترون معي أنّ أمير الشعراء “علي أحمد شوقي بك” سيصدح بهذه “القصة الشعرية” راثياً “لبنان كان يا ما كان”، بعدما صدح بـ”يا جارة الوادي” في مطلع عشرينيات القرن العشرين الماضي.. مادحاً “لبنان” من “جارة الوادي “زحلة” عروس محافظة البقاع اللبنانية..